وفي هذا الاستفهام فضح لهؤلاء المجرمين، واستدعاء لكل ذى نظر أن يشهدهم وهم على موقف الهوان، وفي ثياب الذلة والصغار، وهم كانوا السادة الذين ورمت أنوفهم كبرا، وصعّرت خدودهم تيها وعجبا! وقوله تعالى:

«وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها.. وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .

هو ردّ ضمنى على ما طلب المجرمون من أن يعودوا إلى الحياة الدنيا مرة أخرى..

والمعنى: أن الهدى بيد الله، وفي قيد مشيئته.. وأنه سبحانه لو شاء لهدى الناس جميعا، ولكنه سبحانه جعل للجنة أهلها ولها يعملون، وجعل للنار أهلها ولها يعملون.. وأن مما قضى الله به في خلقه أن يملأ النار ويعمرها بمن جعلهم من أهلها، من الجنة والناس! وأن هؤلاء المجرمين الذين رأوا مشاهد القيامة، وعاينوا أهوالها، وتمنوا العودة إلى الدنيا، ليستقيموا على طريق الحق والهدى- هؤلاء المجرمون، لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، ولركبوا نفس الطريق الذي كانوا عليه من قبل، ولماتوا على الكفر والضلال، ولكانوا في أصحاب النار، وذلك لأن قضاء الله فيهم قد سبق، وأنهم لن يخرجوا عما قضى الله فيهم! ويسأل سائل: لماذا إذن كانت دعوات الرسل؟ ولماذا إذن كان العمل؟

وكان الإيمان والكفر؟ لم هذا، وقد سبق القضاء، ونزل كل إنسان منزله من الجنة والنار منذ الأزل؟ والجواب على هذا، قد عرضنا له في مبحث خاص من هذا التفسير، تحت عنوان: مشيئة الله ومشيئة العباد (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015