وواضح أن هذه النداءات المتكررة، مصحوبة بذكر الله.. «يا موسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ.. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي» «يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» «يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .. واضح أن هذه النداءات المتكررة في سرعة وانطلاق.. على أي ترتيب تكون عليه.. إنما اقتضاها هذا الموقف الذي اهتزّ له موسى من أقطاره، فكان صوت الحق سبحانه وتعالى في هذه النداءات المتكررة، سكنا لقلب موسى، وإمساكا لنفسه التي تكاد تذهب شعاعا. وفي كل نداء كان يذكر «موسى» باسمه، وفي هذا تطمين له، وأنه إنما ينادى ممن يعرفه، ويعرف أحواله.. وإذن، فلا خوف عليه..
الأمر إذن جدّ ليس بالهزل، وما يسمعه موسى هو حقيقة، وليس وهما، ولا حلما.. وإذن فعلى موسى أن يستيقظ، وأن يصحو صحوة مشرقة لاستقبال هذا العطاء العظيم..
قوله تعالى:
«وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ.. يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ» .
الجانّ: فرخ الحيات، وهو أخفها حركة، وأسرعها انطلاقا على الأرض..
وقد جاء في سورة طه: «فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى» ..
وهذا يعنى، أن العصا صارت حيّة في ضخامتها، وجانّا في سرعتها، وخفّتها، ولهذا وصفت بأنها «تسعى» فالحيات حين تكبر وتضخم: لا تكاد تتحرك من مكانها، فضلا عن أن تسعى.
وقوله تعالى: «وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ» أي انطلق مسرعا، فأعطاها ظهره، وأطلق ساقيه للريح.. فرارا من هذا الهول الذي طلع عليه من