تلك العصا التي كانت خشبة جامدة في يده منذ لحظات.. وفي قوله تعالى:
«وَلَمْ يُعَقِّبْ» .. إشارة إلى أنه لم يتراجع إلى الوراء قليلا، على عقبه، حتى ينكشف له الأمر، ويتبين إن كان سيقبل أم يدبر.. بل إنه اتخذ هذا القرار دون شعور، إذ لم يكن له أمام هذا الهول وقت يفكر فيه.. ثم هل هناك ما يحتاج إلى تفكير؟ إنه رأى واحد، وهو الفرار من الهول العظيم! وقوله تعالى: «يا مُوسى لا تَخَفْ.. إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ» .
هو صوت الحقّ، الذي تبع موسى في منطلقه هذا، وأمسك به على طريق الفرار، وأنزل على قلبه الطمأنينة والسكينة..
إنه ليس وحده مع هذا الثعبان العظيم.. وهذا هو صوت الحق يملأ هذه الوحشة أنسا، ويحيل هذا الفزع والهلع طمأنينة وأمنا.. «يا مُوسى.. لا تَخَفْ» .. وإنّ كلمة «موسى» لتفعل فعلها في هذا الموقف، إذ أن المنادى يعرف موسى. وإذن فلا يخاف منه، لأنه في حضرة من يعرفه، ومن كان من شأن هذه المعرفة لا يجىء منها ما يسوء.. إن الإنسان في مثل هذا العالم الموحش ليتلمس أي وجه كان له به معرفة، من قريب أو بعيد. من إنسان، أو حيوان أو جماد.. إن أي شىء من هذا، يبعث الأنس، ويذهب بكثير من وحشة الغربة..!
ويفىء موسى، إلى شىء من الطمأنينة، ويذهب عنه كثير مما استولى عليه من الخوف.. «يا مُوسى.. لا تَخَفْ» ..!
ثم لا تكاد نوازع الخوف تعود إلى موسى مرة أخرى. بعد أن سكت هذا النداء المؤنس، حتى يجئ النداء مرة أخرى يملأ الوجود كله من حوله: «إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ» .. وهنا يعلم موسى أنه قد اختير لرسالة