قوله تعالى:
«فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .. أي وحين اقترب موسى من النار، سمع نداء، لا يعرف مصدره، ولهذا جاء الفعل مبنيا للمجهول:
«نودى» والنداء الذي سمعه هو أن هذه النار نار مباركة، قد بورك فيها، ويورك فيمن حولها من عوالم، جامدة، أو حية، وهذا يعنى أن موسى، قد مسّته هذه البركة، إذ كان فيمن حول النار.
وقد جاء في سورة طه: «نُودِيَ يا مُوسى.. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» وجاء في سورة القصص: «نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ..» (30)
وواضح أن هذه النداءات الأربع قد تلقاها موسى في هذا الموقف.
فأولا: نودى هذا النداء المجهول، ومن غير أن يذكر اسمه.. وإنما سمع نشيدا علويّا، يحدث عن هذه النار بأنها نار قد بورك فيها وفيمن حولها..
«أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها..»
وثانيا: أتبع هذا النداء بنداء آخر أكثر وضوحا وتحديدا: «يا مُوسى.. إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ثم أتبع ذلك بناء ثالث.. «يا مُوسى، إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» .
ولا شك أن هذه النداءات تثير كثيرا من الاضطراب والفزع، فى هذا الجوّ الرهيب.. فكان النداء الرابع والأخير: «يا مُوسى.. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ.. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ.. إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى» فهذا النداء، يدعى به موسى إلى ربه، ويضاف إليه، ثم يؤمر بما ينبغى أن يكون من أدب، فى لقاء ربه، والاستماع إلى خطابه!.