منذ قام إلى اليوم، دون أن يصاب بنكسة أو خلل؟ ثم أمجنون، مصروع، ثبت لهذه العواصف العاتية المزمجرة، وحيدا في وجه أمة صحراوية النفوس صخرية الطباع، ثم لا يكون منه في حال من الأحوال، تخاذل أو ضعف، حتى تخصب هذه النفوس، وتلين تلك الطباع، وتخرج من أحشاء هذه الصحراء قادة الإنسانية، وأساتها، ومطلع شموس العلم والمدنية فيها؟
ثم! ثم أمجنون مصروع، مختلط العقل، هذا الذي يأسر قلوب معاشريه، ويملك أنفسهم، فإذا القلوب خافقة بحبه، وإذا النفوس لا تعرف لها غذاء إلا من ينابيع الحبّ له، ولولاء لشخصه، والتفانى في سبيل مرضاته؟
إن التاريخ، لا يذكر في سجله يوما، أن إنسانا كان له في الناس رصيد من الحب والولاء، ما كان لمحمد في هذه الدنيا من حب وولاء..!
ولا نسوق لهذا كثيرا من الأمثال، ففى كل خطوة من خطوات النبي، على مسيرة دعوته، شواهد تقوم من كل جانب، تنطق بما كان لمحمد- صلوات الله وسلامه عليه- من سلطان على النفوس، ملكها بالإعجاب، والحب والولاء..
ففى بيعة الرضوان، ومعسكر الرسول بالحديبية، يريد دخول مكة، زائرا للبيت الحرام، وقريش تقف له، وتصده عن بيت الله.. وكادت تكون الحرب.. ثم بعثت قريش عروة بن مسعود، ليجد مع النبي سبيلا للخروج من هذا الموقف.. وقد التقى عروة بالنبي، وتحدث إليه، ورأى عن قرب ما للرسول الكريم عند أصحابه. من حب، يعلو كل حب عرفه الناس بين محب ومحبوب..
فلا يتوضأ النبي إلا ابتدر أصحابه وضوءه، وتسابقوا إليه، ولا يبصق بصاقا إلا تلقّوه، ولا يسقط من شعره شىء إلا تهافتوا عليه- رأى عروة هذا، رأى