العين، فلما عاد إلى قريش، حدثهم بما رأى، وما وقع في نفسه من هذا الذي رآه، فقال: «يا معشر قريش.. إنى قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشيّ في ملكه.. وإنى والله ما رأيت ملكا في قوم قط، مثل «محمد» فى أصحابه.. ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشىء أبدا، فروا رأيكم» (?) وخذ مثلا آخر وقع خبّاب بن عديّ- رضى الله عنه- فى يد قوم من المشركين قبل الفتح، وأراد القوم أن يتقربوا به إلى قريش، ليكون في ذلك بعض الشفاء لهم مما في قلوبهم من موقعة بدر.. وحين قدّم خباب للقتل، قال له أبو سفيان، فى شماتة واستخفاف: «أيسرّك أن محمدا هنا تضرب عنقه، وأنك في أهلك؟» فقال خبّاب في ثبات جنان، وقوة إيمان: لا، والله ما يسرنى أنى في أهلى وأن «محمدا» فى مكانه الذي هو فيه، تصيبه شوكة تؤذيه.» (?)

فانظر إلى هذا الحب، وإلى تلك المشاعر القوية الصادقة المنبعثة منه، والتي تعلو بصاحبها فوق كل ما يحرص عليه الناس في دنياهم من نفس، وأهل، ومال..

رجل بين النطع والسيف، يهيج فيه أبو سفيان غريزة الحب للأهل والولد، فى تلك الساعة، والموت منه بمرصد، ويعرض عليه أمنية يكون فيها خباب بين أهله، ومحمد في هذا الموقف الذي فيه خباب.. فيندفع خباب يهدر في غيظ وحنق.. لا والله لا أرضى أن أكون في أهلى، على أن تصيب «محمدا» شوكة وهو في أهله!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015