لبّس عليهم بما شاهدوه من ظاهر تلك الأحوال (?) » .
ثم يمضى ابن خلدون، فى تقدير هذا الرأى، فيقول: «وهؤلاء الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم- قد جعل الله لهم الانسلاخ من البشرية في تلك اللمحة، فطرة فطرهم الله عليها، وجبلّة صورهم فيها، ونزههم عن موانع البدن وعوائقه، ماداموا ملابسين لها- أي الموانع- بالبشرية، بما ركب في غرائزهم من القصد والاستقامة، التي يحازون بها تلك الوجهة- أي الوجهة الملكية- ووكز في طباعهم رغبة في العبادة، تكلف بتلك الوجهة، وتسيح (?) نحوها..
فهم يتوجهون إلى ذلك الأفق بذلك النوع من الانسلاخ، متى جاءوا- بتلك الفطرة التي فطروا عليها، لا باكتساب ولا صناعة.. فلهذا توجهوا وانسلخوا عن بشريتهم، وتلقوا في ذلك الملأ الأعلى ما يتلقونه، وعاجوا- أي مالوا- به على المدارك البشرية، منزلا في قواها، لحكمة التبليغ للعباد.. فتارة يسمع دويا، كأنه رمز من الكلام، يأخذ منه المعنى الذي ألقى إليه، فلا ينقضى الدويّ، إلا وقد وعاه وفهمه، وتارة يمثل له الملك الذي يلقى إليه، رجلا، فيكلمه، ويعى ما يقوله.
ثم يقول: «واعلم أن الأولى- وهي رتبة الأنبياء غير المرسلين، على ما حققوه- أي العلماء- والثانية- وهي حالة تمثل الملك رجلا يخاطب النبي- هى رتبة الأنبياء المرسلين، ولذلك كانت أكمل من الأول..
«إنما كانت الأولى أشد، لأنها مبدأ الخروج، فى ذلك الاتصال من القوة