صلى الله عليه وآله- إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك، وتربّد وجهه» ..
أي تغير.
وهذا يعنى- كما هو ظاهر- أن اتصال النبي بالوحى، كان يستدعى منه مجاهدة روحية، ونفسية، وجسدية، كى تتيح له هذه المجاهدة، حالا مناسبة للعالم الروحي، الذي يتصل به.. إنه لقاء بين طبيعتين مختلفتين.. طبيعة بشرية، وطبيعة ملكية.. ولا بد أن يحدث هذا اللقاء احتكاكا، وتفاعلا، وفورانا.. فى الطبيعتين على السواء، حتى يلتقيا لقاء، يتم به التجاوب، والتفاهم! يقول «ابن خلدون» ، فيما يعرض للأنبياء عامة عند تلقى الوحى:
«وعلامة هذا الصنف- أي الأنبياء- من البشر، أن توجد لهم في حال الوحى غيبة عن الحاضرين معهم.. مع غطيط، كأنها- أي الحال- غشى أو إغماء في رأى العين، وليست منهما في شىء، وإنما هي في الحقيقة، استغراق في لقاء الملك الروحاني، بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر بالكلية.، ثم يتنزل إلى المدارك البشرية، بسماع دويّ من الكلام، فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند الله.. تنجلى عنه تلك الحال، وقد وعى ما ألقى إليه.. ويدركه- النبي- أثناء ذلك من الشدة والغطّ ما لا يعبر عنه:
ففى الحديث: «كان مما يعالج من التنزيل شدة» .. وقالت عائشة: «كان ينزل عليه الوحى في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصّد عرقا» وقال تعالى: «إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا» (5: المزمل) ثم يقول ابن خلدون: «ولأجل هذه الحالة في تنزل الوحى، كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، ويقولون: «له رئىّ» أي تابع من الجن.. وإنما