وعلى هذا، فإن الرأى- والله أعلم- أن يتعلق قوله تعالى: «عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» بفعل يدلّ عليه الفعل السابق، ويكون النظم القرآنى هكذا: «لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ (ويذكروه) عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» .. هذا، والله أعلم.
قوله تعالى:
«ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» .
هو تعقيب على ما جاء فى قوله تعالى فى الآية السابقة: «لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ.. فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ» .
والمعنى: أنه بعد هذه الأعمال التي تتم بها فريضة الحج، يعود الحجيج إلى أنفسهم، لينظروا فى شئونهم الخاصة التي أهملوها فى أيام الحج، ولم يلتفتوا إليها، حيث استغرقهم الاتجاه الخالص إلى الله وأول ما ينظرون فيه، هو قصّ شعورهم، وتقليم أظافرهم، وهذا أول مدخل يدخلون به إلى الدنيا، بعد أن خرجوا منها منذ أول لحظة دخلوا بها فى ملابس الإحرام.. وهذا ما عبّر عنه القرآن بقوله تعالى: «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» .
والتّفث: ما يعلق بالإنسان من قذر يتأذّى به، ويطلب الخلاص منه.
وهو بهذا المعنى أشبه بالرفث.. وهذا يعنى أنه حاجة من حاج الإنسان، ومن مطالبه الجسديّة.. سواء أكان ذلك بدفعها، أو بجلبها..
وفى قوله تعالى: «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» إشارة معجزة إلى أن هذه الأمور وأمثالها، وإن كانت من حاجات الإنسان، فإنها ليست من صميم مطالبه التي ينبغى أن تكون فى الاعتبار الأول عنده، مما يتصل بحاجات العقل والروح،