ومما يكسو الإنسان من معانى الإنسانية ما هو خليق به، وبالكمال الذي ينبغى أن يقيم وجهه دائما عليه..
إنه لا بأس من أن يأخذ الإنسان حظه من مطالب الجسد، فيتجمل فى مظهره، ويسوّى من صورته، ولكن على ألا يشغله ذلك عمّا هو أولى، وأكرم وهو تجمّل الباطن وتسويته على أكمل صورة وأحسنها، علما، وخلقا..
فذلك هو الإنسان الذي يريده الإسلام.
إنه يريده حسن الظاهر والباطن، جميل المظهر والمخبر، نظيف الإناء وما يحتويه الإناء..!
وقوله تعالى: «وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» .. أي ليؤدوا لله ما كانوا قد نذروه، تقربا إليه، من ذبائح، وصدقات وغيرها.. وإن خير وقت للوفاء بهذه النذور هو فى هذا الوقت، وفى هذا الموطن.. بل إن هذا يكاد يكون أمرا لازما هنا، حيث سبق آخر عمل من أعمال الحج، وهو الطواف بالبيت العتيق، طواف الوداع.. كما يقول سبحانه بعد ذلك: «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» .. فبالوفاء بالنذور، وبالطواف بالبيت، تختم أعمال الحج.. وكما كان أول أعمال الحج، هو لقاء البيت العتيق والطواف به طواف تسليم، يكون آخر عمل من أعمال الحج، هو الطواف بالبيت، طواف وداع واستئذان وشكر، لما لقى فى رحاب هذا البيت من ألطاف الله، وأفضاله، وما تلقى من آلائه ونعمائه..
ووصف البيت بالعتق، لأنه أول بيت لله وضع للناس على الأرض..
فالعتق هنا من العتاقة، وهى القدم، الذي هو صفة من صفات الله.. فإذا كان القدم فى مقام الفضل والإحسان، فهو تقدّم فى الدرجة، وسبق فى الإحسان.. وبهذا يكون أهلا لأن يأخذ مكان الإمامة على غيره.. وقد استحق المؤمنون السابقون من المهاجرين والأنصار أن يكونوا وجه الإسلام،