وأوضاعهم فى هذه الحياة.. فيرى قمما عالية، بينما يرى سفوحا، ومنحدرات، بل وحفرا.. ولكنه إذا نظر إلى الحياة عامة شاملة، لم ير إلا وحدة منتظمة، وإلّا سطحا مستويا، لا نجود فيه، ولا منحدرات.. كالذى ينظر من طائرة محلّقة فى آفاق السماء، إلى مدينة واسعة الأرجاء.. إنه يرى دورها وقصورها، وأكواخها، ونواطح سحبها- فى مستوى واحد.. كسطح أملس، لا فرق بين الأكواخ والقصور..

يقول الفيلسوف الأمريكى «بوردن باركرباون» : «إن أفراد الناس يؤثّر بعضهم فى بعض، وقد يعارض بعضهم بعضا.. لكن هذا التضادّ بينهم، وهذا الانفصال والتجزؤ، يذوب كله فى عنصر واحد يحويهم جميعا..

وما قد يبدو فى عالم الجزئيات تضادّا، إن هو فى حقيقة الأمر إلا اتساق، لو نظر إليه من أعلى نظرة ترى تفصيلات الوجود كلها واحدة فى كلّ واحد» .

فهذا الفهم للحياة، لا ينكر وجود الشرّ وذاتيته فى واقع الحياة الإنسانية، ولكنه حين يرتفع بالنظر عن الحياة الإنسانية الفردية، وعن مستوى هذه الأرض، لا يرى إلا عالما مشرقا، يفيض بالحسن والجمال.

إن حواسّنا، ومشاعرنا، ومداركنا، مضبوطة على مستوى هذا الوجود الأرضى الذي نعيش فيه.. وهذا التناقض، والتضادّ، والتعاند، الذي نراه- هو مما يقتضيه وجودنا، وتولده حاجاتنا، وتحققه مدركاننا وحواسنا.

ويقول الجاحظ: «وأظنك ممن يرى الطاووس، أكرم على الله من الغراب، وأن الغزال أحبّ إلى الله من الذئب.. فإنما هذه أمور فرّقها الله الله تعالى فى عيون الناس، وميّزها فى طبائع العباد، فجعل بعضها أقرب بهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015