والذي تذهب نفسه حسرة مع كل يوم يطلع عليها وعليه..
وقد صدق حدس الرجل المؤمن، وصحّ ما توقعه لصاحبه هذا الذي أطغته النعمة، فنصب لله الحرب، يقاتل أولياءه، ويصدّهم عن دينه، ويضلّهم عن سبيله..
«وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ.. فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها.. وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً.. وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً» .
وهكذا تجىء الخاتمة، وتحقّ كلمة الله على القوم الظالمين.. وإذا هذه الجنة وقد أحيط بها، وشملها البلاء من كل جانب، وإذا صاحبها يقف على أطلالها كما يقف الأب على أشلاء أبنائه، وقد نزلت بهم نازلة أخذتهم جميعا..
«فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ» حسرة وكمدا.. «عَلى ما أَنْفَقَ فِيها» من مال وجهد «وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها» .. لا ترقّ لنحيبه، ولا تستجيب لصراخه، بل تظل هكذا خاوية على عروشها، لا تريه منها إلا هذا الموات الذي يزيد فى حسرته، ويضاعف من آلامه..
- فقوله تعالى: «وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها» حال كاشفة عن حاله، وهو يندبها، ويقطّع نفسه حسرة عليها، وهى بين يديه جثة هامدة، لا يجدى معها هذا العويل الصارخ، وهذا النحيب المتصل..
- وقوله تعالى: «وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً» هو حكاية لقوله الذي سيقوله يوم القيامة، يوم يساق إلى موقف أشدّ هؤلاء، وأقسى قسوة من هذا الموقف الذي هو فيه إزاء جنته تلك الخاوية على عروشها.. ففى هذا اليوم تشتد حسرته، ويتضاعف ندمه، ويقول فيما يقول: «يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ