يدى شىء.. فأنا العاجز الضعيف، الذي لا يملك من أمره شيئا.. «لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» .. فما لم يكن للإنسان عون من الله، فهو الضائع المخذول..
ثم إذ لم يكن من «الكافر» أن يقول هذا القول، ولم تحدثه نفسه بشىء منه.. لوّح له صاحبه بهذا النذير الشديد، وقرعه بتلك القارعة المزلزلة:
فقال له: انظر إلىّ «إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ» .. فذلك ليس بالذي تعجز عنه قدرة الله.. فالله سبحانه يملك الناس ويملك ما بأيدى النّاس، وبسلطان قدرته، وبتقدير حكمته، يبدّل أحوال الناس كيف يشاء، فيفقر ويغنى، ويذلّ ويعزّ، ويضع ويرفع.. فإذا كنت كما ترانى الآن أقلّ منك مالا وولدا، فغير بعيد على الله أن أصبح أو أمسى، فإذا أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا..
وليس الأمر واقفا عند هذا، بل إنه من الممكن أن يقع فى يدىّ من المال والبنين أكثر مما معك، ثم إن هذا الذي معك يفرّ من بين يديك، فتلتفت فلا تجد منه شيئا..
وانظر إلى قوله تعالى: «فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً» .. ثم أمعن النظر فى هذا العطف بين الفعلين: «يؤتين» و «يرسل» حيث تتجلّى من ذلك قدرة الله فى التبديل والتغيير، ففى الحال التي يرسل الله فيها رحمة من رحمته إلى هذا الفقير المعدم، فيلبسه ثوب الغنى، يرسل على هذا الغنىّ ما يذهب بغناه، وإذا هذه الجنة الزاهية الزاهرة ينقضّ عليها «حسبان» من السماء، أي جائحة، تجىء فجأة، وتهبّ من حيث لا يدرى أحد، فتعصف بها، وتجعلها رمادا! أو يغور هذا الماء المتدفق من هذا النهر الذي يقيم حياتها، فإذا هى وقد جفت شرايين الحياة منها، وأخذت تموت موتا بطيئا بين عينى صاحبها الذي لا يملك لدائها دواء..