على ثلاث وسبعين فرقة، واختلف النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتختلف أمتى على إحدى وسبعين فرقة.. كلها فى النار إلا فرقة واحدة، قالوا يا رسول الله: من هى؟ قال: ما عليه أنا وأصحابى» .
وقد صدق الله العظيم، وصدق رسوله الكريم.. فما أن ورد المسلمون موارد العلم، وأخذوا بحظهم من الحكمة والفلسفة والمنطق وغيرها، حتى أجلبوا بكل هذا الذي أخذوه، إلى كتاب الله، وخرّجوا آياته عليه، فوقع بينهم هذا الخلاف الذي عرفته الحياة، وسجله التاريخ.. فقالوا بالجبر والاختيار، وقالوا بالتنزيه والتجسيد، وقالوا بخلق القرآن، وبقدم القرآن، وقالوا بإمكان رؤية الله، وبعدم إمكان الرؤية.. وهكذا كان لهم فى كل مسألة آراء، ينقض بعضها بعضا.. وكانوا فرقا بلغت إحدى وسبعين فرقة، كما قال الرسول الكريم..
ولكن هنا سؤال أيضا:
كيف يتفق هذا، ودعوة الإسلام إلى العلم، وطلبه طلبا مفروضا فى بعض الأحيان، ومندوبا إليه فى بعض الأحيان الأخرى؟ وكيف يتفق هذا وقد رفع الإسلام من قدر العلماء، ونوّه بهم فى أكثر من موضع من القرآن الكريم، وفى أكثر من حديث من أحاديث الرسول؟
والجواب على هذا، هو أن دعوة القرآن إلى العلم وطلبه، والجدّ فى تحصيله لا يمنع من التحذير منه.. فهو سلاح ذو حدين.. إن لم يكن مع العلم تقوى وخشية من الله، قتل به صاحبه نفسه، وقتل كثيرا من الناس به..
والخلاف فى الرأى- إذا تجرد من الهوى- خلاف لا ينكره الإسلام بل يزكّيه، لأنه اجتهاد فى طلب الحقيقة، وتقليب للنظر فى التماسها، وتعاون بين المختلفين على الوصول إليها.. يحيئون إليها من طرق شتّى، وقد يلتقون