فإذا كثر رزقها، وفاض الخير فيها، وقع التمزق، وانحلّت الروابط، وتمايز الناس طبقات، بعضها فوق بعض، وأصبح الجسد الاجتماعى أشلاء ممزقة.. كل عضو فيه منفصل عن بقية الجسد.. فهنا عيون الناس، وهناك رءوسهم.. وهنالك أيديهم.. وأرجلهم! والعلم، شأنه كهذا الشأن.. العلماء والحكماء والفلاسفة فى واد، والجهلة والعامّة فى واد.. هؤلاء فى عالم وأولئك فى عالم آخر..
ثم العلماء والحكماء والفلاسفة.. كل له رأيه، وعلمه وحكمته، وفلسفته.. كل له متجه فى تفكيره، وفى نظره إلى الوجود، وقربه، وبعده من الحقيقة.. «كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» .
وبنو إسرائيل ليسوا وحدهم هم الذين يثير «العلم» خلافا بينهم، ويجعلهم أحزابا وشيعا.. بل هذا هو شأن الناس جميعا- كما قلنا- وإذن فالسؤال الوارد هنا هو:
لماذا اختصّ بنو إسرائيل بالذّكر هنا، وعرضوا فى معرض اللوم والتقريع؟
والجواب على هذا، هو أن ذلك تحذير للمسلمين من الخلاف الذي يجيئهم من واردات العلم، كما اختلف الذين من قبلهم من بعد ما جاءهم العلم.
وقد نبه النبي الكريم فى هذا، وحذر منه.. فقال صلوات الله وسلامه عليه:
«لتتّبعنّ سنن الذين من قبلكم شيرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لا تبعتموهم» .
ويقول النبي الكريم أيضا؟ وقد تنبأ بهذا الخلاف «اختلف اليهود