أي أقبلوا إلى بما حكمتم به، وأجمعتم أمركم عليه..
- «ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً» الغمة، ما عمّ من الأمر وخفى، ولا يعرف وجهه.. ومنه الغمّة، لما يغتم له الإنسان مما يسوؤه، ومنه الغمام وهو السحاب الذي يكسو وجه السماء، ويظلل الأرض، ويحجب عنها ضوء الشمس.
والمعنى: أن نوحا عليه السلام، بعد أن استيأس من قومه، ولم يجد سبيلا إلى إصلاح أمرهم وتقويم زيغهم، بعد أن لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، جاءهم- وقد أجمع أمره على أن يدعهم وما هم فيه، ليلقوا المصير الذي أنذرهم من الله به- جاءهم ليطلب إليهم أن يقولوا كلمتهم الأخيرة الفاصلة فى هذا الموقف، الذي بينهم وبينه.. فقال لهم:
«يا قَوْمِ.. إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ» أي إن كنتم قد استثقلتم طول حياتى معكم، وكثرة تذكيرى لكم بآيات الله، ودعوتكم إلى الإيمان به، فأنا منصرف عنكم، متوكلا على الله، معتمدا عليه..
«فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ» أي هاتوا رأيكم الذي تلتقون عنده، أنتم وشركاؤكم الذين تعبدونهم من دون الله.. «ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ» ، ثم أعلمونى بما أجمعتم عليه من أمر. وإن بدا لكم أن ترجمونى.. كما يتهامس بذلك بعضكم، ويتنادى به سفهاؤكم. وهذا ما حكاه القرآن الكريم عنهم فى قوله تعالى: «قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ» (116:
الشعراء) - إن بدا لكم ذلك فاجعلوه رأيا واحدا لكم، بعد أن تأخذوا رأى شركائكم، وليكن هذا الرأى واضحا صريحا، لا خفاء فيه، ولا تخافت ولا تهامس.. ثم افعلوا بي بعد هذا ما بدا لكم.. فإنى متوكل على الله، معتصم به..
وقد قدم التوكل على الله قبل أن يدعوهم إلى لقائه، ومواجهته بما يجتمع