عليه رأيهم فيه، وذلك ليتحصّن بهذه الدرع الحصينة، التي لا تنال منها قوى البشر- قبل أن يلقاهم بهذا التحدي.. «فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ.. فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ» ، فهو يلقاهم وقد توكل على الله، وأسلم أمره إليه، وفى هذا ما يقوى عزمه، ويثّبت قدمه عند اللقاء، فلا يجزع، ولا يرهب، إذا هم أخذوه بكل ما عندهم من قوة وكيد! قوله تعالى: «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ..
هو الكلمة الأخيرة من نوح إلى قومه.. وأنهم إن تولّوا عنه، وأبوا أن يأخذوا منه ما يمد به إليهم يده، فإنه لن يضارّ بهذا، لأنه لم يطلب على ما يقدم لهم أجرا، حتى إذا لم يأخذوه منه، فإنه لا ينال ذلك الأجر.. إنه لا يطلب منهم أجرا، وإنما يأخذ أجره من الله، وهو أجر عظيم، يرجح بكل ما يملكون ومالا يملكون من هذه الدنيا.. إنه ثواب الله، ورحمته ورضوانه: «وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» (32: الزخرف) .. فإن توليتم فهذا شأنكم، ولا سلطان لى عليكم، ولا خير يفوتنى من إعراضكم عنى.. أما أنا فعلى ما أمرنى الله به، وهو أن أكون أول المسلمين، الذين أسلموا وجههم لله، وآمنوا به، وأخلصوا العبادة له وحده.
وأوّلية نوح للمسلمين.. هى أولية بالإضافة إلى مجتمعه الذي كان فيه، فهو أولهم إسلاما لله.. إذ كان هو الرسول الذي حمل رسالة الإسلام إليهم، وأول من آمن بها منهم..
قوله تعالى: «فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا.. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ» .
تلك هى خاتمة ما بين نوح وقومه.. لقد كذبوه، وتولوا عنه، فوقع