فالتفقّه فى الشريعة، ومطالعة آياتها المعجزة، والوقوف على ما فيها من روائع الحكمة، وأسرار الوجود- هو الذي يقيم فى نفس المسلم إيمانا صحيحا، ومعتقدا سليما متمكنا، يهيىء للمجتمع الإسلامى، الإنسان المؤمن الذي يجاهد فى سبيله، ويستشهد من أجل حمايته، ودفع يد المعتدين عليه..
وليس معنى النّفر هنا شدّ الرحال، وقطع الفيافي والقفار، بل إن معناه شدّ العزائم، وتوقّد الهمم، واستجماع النفوس، وإخلاص النيّات، والتجرد لتلقّى العلم، والصبر على معاناة الدرس والنظر..
ذلك أن تحصيل العلم، وقطف ثمراته، ليس بالأمر الهيّن، الذي يقع لأى يد تمتد إليه، ويستجيب لأى عين تطمح إليه، وتطمع فيه- وإنما هو كالجهاد فى ميدان القتال، حيث لا يكتب النصر للمجاهدين إلا بركوب الأخطار، وملاقاة الأهوال، ومصادمة الموت..
ومن هنا تعادلت كفّة العلماء مع كفة المجاهدين.. كما ورد فى الحديث:
«يوزن مداد العلماء بدم الشهداء» ..!
وليس النفر محدودا بالنّفر إلى الجهاد فى سبيل الله، ولا بالنفر لطلب العلم، وإنما هو أيضا ينسحب إلى كل ميدان من ميادين العمل والكفاح..
فحيثما كانت مشقة ومعاناة يحملها لإنسان فى صبر وعزم، فى مجال العمل الصالح النافع له ولغيره، فهو نفر إلى الجهاد، وصاحبه فى حساب المجاهدين! وعلى هذا نفهم الآية الكريمة على أنها دعوة للمجتمع الإسلامى أن يملأ كل ميادين العمل فى الحياة، وأن يأخذ كلّ مسلم المكان المناسب له، وأن يعمل فى الميدان الذي يمكن أن يعطى فيه أفضل ما تجود به ملكاته وقدراته، العقلية، أو الجسدية.. وشرط واحد هو الذي ينبغى أن يكون عليه العامل ليكون مجاهدا، هو أن يخلص لعمله، وأن يعطيه كل جهده، وأن يبذل له