إلا بالانتظام فى ركب المجاهدين، وهذا من شأنه أن يجعل المسلمين جميعا على طريق الجهاد، وفى ميدان القتال، الأمر الذي لو وقع بصفة دائمة لأخلّ بنظام المجتمع، وعطّل كثيرا من جوانب الحياة، وأخلى ميادينها من العاملين فيها..
ولهذا جاء قوله تعالى: «وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً» أي جميعا.
فذلك أمر- كما عرفنا- يدخل الخلل على نظام الحياة فى المجتمع، وعلى المجاهدين أنفسهم، إذا لم يكن من ورائهم من يعمل فيما يهيىء لهم حاجاتهم، من مؤن، وسلاح، وعتاد.
ولكن كيف السبيل إلى صرف بعض المسلمين عن وجهتهم إلى القتال، وكلهم يؤثر أن يكون فى هذا الميدان، ابتغاء مرضاة الله؟
لقد كان من تدبير الله سبحانه وتعالى أن فتح لهم جبهة جديدة من جهات الجهاد.. إذ يقول الله تعالى: «فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» ..
فهناك نفر كالنفر إلى الجهاد، وهو النّفر إلى التفقه فى الدّين، والتعرف على أحكام الشريعة.. ففى النفر إلى الجهاد يقول الله تعالى. «انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا» وفى النفر إلى العلم يقول لله تعالى: «فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ» .
فطلب العلم فريضة على كل مسلم كفريضة الجهاد، سواء بسواء.. فإذا كان الجهاد بالسيف فكذلك يكون الجهاد فى ميدان العلم، والتفقه فى الدين. إنه يدفع عن القلوب غشاوات الجهل والضلال، ويمكنّ لدعوة لإسلام أن تأخذ مكانها من العقول والقلوب، فتمكن لها فى أهلها، وتقيمهم منها على مودة وإخاء، فيزكو نيتها الطيب فيهم، وتؤتى مبادئها أكلها المبارك لأيديهم.