كذلك يمكن أن يقاس على هذا ما يناسبه أو ما يقابله، فمن أطلق على أئمة أهل السنة وعلمائهم وطلاب العلم منهم بأنهم مكفّرة فهو مرجئ، وهذا كثير في عصرنا هذا، والعكس كذلك من أطلق على بعض علماء المسلمين الذين يقولون بقول من أقوال السلف في الإيمان أو في الأحكام والأسماء بأنهم مرجئة ففي الغالب أن عنده نزعة تكفير ولا أقول: دائماً، ولذلك كثر ذلك الآن عند الذين عندهم شيء من الغلو ونزعة التكفير وإن لم يكونوا خوارج، فتجدهم يطلقون على بعض أقوال أهل السنة بأنها إرجاء، ويطلقون على كثير من علمائنا المعاصرين وطلاب العلم بأنهم مرجئة، وهذه أيضاً كثرت فيجب التنبه لها؛ لأن أقوال السلف في مسائل الإيمان وفي الأسماء والأحكام فيها تفاوت في الحقيقة، وبعضها قد يكون قريباً من قول المرجئة لكن لا يعني أن من قال بها فهو مرجئ، وبعضها قريب من قول المكفّرة لكن لا يعني أن من قال بها فهو مكفّر.
فأقوال أهل السنة والجماعة تتفاوت لكن لا تصل إلى القول بالتكفير المحض ولا القول بالإرجاء المحض ولا حتى إرجاء الفقهاء، لكن هناك توافق في بعض فتاوى السلف وأقوالهم مع بعض أقوال المرجئة، بل أقول إن كثيراً من السلف تتوافق فتاواهم مع كثير من أقوال المرجئة في مسألة الأسماء والأحكام، والعكس كذلك يوجد كثير من السلف تتوافق فتاواهم مع بعض أقوال الذين عندهم شيء من التشدد، لكن ليس من كل وجه، فهم لا يوافقونهم على لوازم الحكم، ولا يوافقونهم على أحكام المعيّن، إنما في الأحكام العامة.
فالسلف في تفاصيل الأسماء والأحكام ليس بينهم اتفاق، إنما اتفاقهم في أصول مسائل الإيمان وحده وحقيقته، ودخول الأعمال في مسمى الإيمان، والاستثناء في الإيمان أيضاً في الجملة، وإن كان بعضهم يرى أنه واجب وبعضهم يرى أنه جائز، وبعضهم يرى أنه مكروه، ومع ذلك كلهم يقولون بمشروعية الاستثناء في الإيمان، وكذلك ما يتعلق بمجملات الأسماء والأحكام، مثل حد الكافر والمنافق والفاسق والفاجر لكن عند التفاصيل وعند التطبيق على المعيّن، وعند بعض الأحكام التي تستنبط من النصوص بين الوعد والوعيد، نجد أن السلف منهم من يميل إلى تغليب الوعد ومنهم من يميل إلى تغليب الوعيد، ولا يخرجون إلى مذهب المرجئة ولا إلى مذهب الخوارج، فيكون هناك مسافة معينة في الخلاف بين أهل السنة، فمن لم يخرج عن نطاق هذه المسافة فلا يجوز وصفه بمرجئ ولا بمكفّر.
وليت واحداً ينبري لهذه المسألة يقعّد فيها حتى يسهم في إصلاح ذات البين الحاصلة الآن بين كثير من طلاب العلم من أهل السنة والجماعة، لأن الأمر إذا لم يعالج قد يصل إلى حد الفرقة، نسأل الله السلامة.