من يبالغ في الكلام على التوحيد فهو قدري

وكذلك إذا سمعت الرجل يتكلم بالتوحيد، يعني يبالغ، فهو قدري، وفي عهد الشيخ لم تشتهر كلمة التوحيد في إطلاقها على العقيدة، وإنما كانت العقيدة تسمى السنة، ويندر استعمال كلمة توحيد، وأكثر ما اشتهرت في القرن الرابع في عهد الإمام ابن خزيمة ومن جاء بعده، مع أنه ما أطلق التوحيد على عموم العقيدة، وإنما أطلق التوحيد على الصفات في كتابه التوحيد، فإذاً الكلمة كانت في مرحلة من مراحل الاصطلاح التي مرت بها، فكان في عهد البربهاري إطلاق العقيدة تحت وصف السنة لا التوحيد، فكان الذين يرفعون مسمى التوحيد هم المعتزلة والجهمية وبعض الرافضة وبعض الخوارج، ويقصدون بالتوحيد إنكار الصفات.

ثم بعد ذلك الاصطلاح تحول حتى صار شائعاً عند أهل السنة أنهم يطلقون على العقيدة توحيداً، خاصة في القرن السادس والسابع والثامن والتاسع، ثم في عهد الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومن جاء بعده صاروا يطلقون على العقيدة كلها توحيداً من باب أن أكثر ما وجد الإخلال في الأمة في العصور المتأخرة في جانب التوحيد من الناحية العملية، حيث وقعت كثير من الأمم في البدع والشركيات والتوسلات، فصار التركيز على إظهار العقيدة بمسمى التوحيد هو المناسب للعصور المتأخرة، ولا مشاحة في الاصطلاح.

فالشاهد أنه في عهد الشيخ البربهاري كان الذي يبالغ في مسألة التوحيد أكثر من اللزوم في الغالب أنه يقصد بها نفي الصفات وهذا هو الحاصل، هذا هو الحاصل إذا استقرأنا كتب ومناظرات ومؤلفات وأعمال الجهمية في ذلك الوقت، فيسمون تعطيلهم توحيداً.

ثم قال: (فاعلم أنه خارجي معتزلي)، لأن الخوارج والمعتزلة في وقته بدءوا يعتنقون مذهب الجهمية، فكلهم يطلقون على التأويل والتعطيل والتحريف توحيداً.

(أو يقول: فلان مجبر أو يتكلم بالإجبار أو يتكلم بالعدل فاعلم أنه قدري)، أي: أو جهمي؛ لأن الأصل في عموم المسلمين أنهم يقولون مذهب أهل السنة والجماعة بأن القدر من الله عز وجل بخيره وشره، فمن بالغ في هذا الأمر وقال بأن فلاناً مجبر فهو قدري، والذي يطلقها هو القدري المعتزلي الذي يصف من يخالفه بالجبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015