وإذا قبل الله التوبة من العبد كان العباد بالقبول أولى مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} [(33) سورة المائدة] إلى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ولا شك أن هذا الاستثناء إلى الجميع، وقال الزجاج: وليس القاذف بأشد جرماً من الكافر فحقه إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته، قال: وقوله: {أَبَدًا} أي ما دام قاذفاً، كما يقال: لا تقبل شهادة الكافر أبداً، فإن معناه ما دام كافراً ..
يعني ما دام متصفاً بالسبب الذي من أجله ردت شهادته.
وقال الشعبي للمخالف في هذه المسألة: يقبل الله توبته، ولا تقبلون شهادته! ثم إن كان الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة عند أقوام من الأصوليين فقوله: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [(4) سورة النور] تعليل لا جملة مستقلة بنفسها: أي لا تقبلوا شهادتهم لفسقهم، فإذا زال الفسق فلما لا تقبل شهادتهم؟ ثم توبة القاذف إكذابه نفسه، كما قال عمر لقذفة المغيرة بحضرة الصحابة من غير نكير مع إشاعة القضية وشهرتها من البصرة إلى الحجاز، وغير ذلك من الأقطار، ولو كان تأويل الآية ما تأوله الكوفيون لم يجز أن يذهب علم ذلك عن الصحابة، ولقالوا لعمر: لا يجوز قبول توبة القاذف أبداً، ولم يسعهم السكوت عن القضاء بتحريف تأويل الكتاب فسقط قولهم، والله المستعان.
وأما بالنسبة للقول في هذه المسألة، فالحد لا تسقطه التوبة، وأما بالنسبة لارتفاع الوصف وهو الفسق فلا إشكال فيه، ومحل اتفاق بين أهل العلم، والأقرب فيه ما اختلف فيه من قبول الشهادة أن الشهادة مقبولة؛ لأن السبب في التوقف في الشهادة وقبول الخبر هو الفسق، مجرد التوقف، فإذا زال هذا الوصف زال هذا التوقف وزال الرد من باب أولى، فتقبل شهادته، ومن باب أولى روايته؛ لأن الرواية خبر، يختلف حكمها عن حكم الشهادة؛ لأن الشهادة في حقوق الآدميين ومبناها على المشاحة، وأما بالنسبة للأخبار فالأمر فيها أوسع وأسهل في مثل هذا، ولذا يقبل فيها الرجل الواحد.