لأن غير فضلاء الناس وغير الخيار قد يتواطئون مع هذا المجلود ولا يقومون بالحد كما أمر الله، وأيضاً النكاية بالمحدود أشد إذا حضره خيار الناس ممن إذا حضره السفهاء وغير الأخيار.
وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك -رضي الله عنهم-، وسبب ذلك أنه قيام بقاعدةٍ شرعية وقربة تعبدية تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها، فإن دم المسلم وحرمته عظيمة، فتجب مراعاته بكل ما أمكن.
روى الصحيح عن حضين بن المنذر أبي ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران: أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولِّ حارها من تولى قارها (فكأنه وجد عليه) فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلده وعلي يعدّ ... الحديث، وقد تقدم في المائدة، فانظر قول عثمان للإمام علي: قم فاجلده ..
فقال: يا علي قم فاجلده، وكل الجلد إلى علي، وهو من خيار الناس في ذلك الوقت، فأناب عليّ ابنه الحسن، فقال: الحسن ولِّ حارّها من تولّى قارّها، ما معنى هذا؟ يعني الذي استفاد من الولايات هو الذي يقوم بمثل هذه الأعمال، أما شخص لا علاقة له بالولايات، ولا استفاد منها، ولا أعطي من خيرها ما له علاقة بهذه الأمور، ولّ حارّها من تولّى قارّها، يعني: إذا جاء الضرب دعيتونا، وإذا جاء الهبات والأعطيات للآخرين يتولى هذا من يتولى هذا، والله المستعان.
السابعة عشرة: نص الله تعالى على عدد الجلد في الزنا والقذف، وثبت التوقيف في الخمر على ثمانين من فعل عمر في جميع الصحابة على ما تقدم في المائدة فلا يجوز أن يُتعدى الحد في ذلك كله، قال ابن العربي: وهذا ما لم يتتابع الناس في الشر، ولا احلولت لهم المعاصي حتى يتخذوها ضراوة، ويعطفون عليها بالهوادة ..
يعني: يتساهلون في أمرها، لعل المقصود يتساهلون في أمرها، الهوادة التساهل.