ثم قال: ((إنهم الآن ليسمعون ما أقول)) فذكر ذلك لعائشة فقالت: إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق)) ثم قرأت {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} حتى قرأت الآية. وقد عورضت هذه الآية بقصة بدر، وبالسلام على القبور، وبما روي في ذلك من أن الأرواح تكون على شفير القبور في أوقات، وبأن الميت يسمع قرع النعال إذا انصرفوا عنه إلى غير ذلك، فلو لم يسمع الميت لم يسلم عليه، وهذا واضح وقد بيناه في كتاب التذكرة.
إذاً كيف يحمل قول الله -جل وعلا-: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} هل المراد به إسماع تترتب عليه فائدته من الإجابة، يعني ولو ذكرت لهم ما ذكرت وسمعوا منك ما ذكرت ما استفادوا؛ لأن الإجابة مستحيلة، بعد الموت، بعد المعاينة، وبعد الغرغرة لا تنفع التوبة، فأنت لا تسمعهم سماعاً ينفع، لا تسمعهم سماعاً ينتفعون به، لقد نفي السمع من الكفار، لا يسمعون به، هم يسمعون سماع أصوات، لكن لا يسمعون سماع ينفع، سماع إجابة، لا، فإذا حُمل النفي هنا على السماع النافع المجدي ثبت السماع في الجملة الذي لا ينفع؛ لأنه بعد المعاينة لا ينفع، فيستقيم الكلام في نفسه.
ومن يقول: أن الأصل أنهم لا يسمعون، أن الموتى لا يسمعون، يستثنى من ذلك ما جاء استثنائه في مثل أهل القليب على العموم قد يسمعون لحكمة يراها الله -جل وعلا-.
وكونهم يُسمعون هذا أيضاً محل نظر، محل خلاف بين أهل العلم، الأصل أنهم لا يُسمعون، قد يحصل لهم ما يحصل من عذاب، لكن هذا العذاب لا يُسمع هذا هو الأصل، والنبي عليه الصلاة والسلام قرر أنهم يعذبون في قبورهم، وأنه يسمعهم يسمع الضرب بالمرزبة، يسمعها كل شيء إلا الثقلين، ولو سمعها الإنسان لصعق ... فجاء في الحديث الصحيح: ((لولا أن تدافن)) وفي رواية: ((لولا أن لا تدافنوا لأسمعتكم)) فدل على أن السماع الخاص لا يعني السماع العام، لا منهم ولا إليهم.