والله تعالى يقول: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [(65) سورة النمل]، خرجه مسلم، وروي أنه دخل على الحجاج منجمٌ فاعتقله الحجاج، ثم أخذ حصيات فعدهن، ثم قال: كم في يدي من حصا؟ فحسب المنجم، ثم قال: كذا، فأصاب.

لأن عدد الحصا ليس من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وإنما يعلمه الحجاج؛ لأنه عدها، فخرج عن دائرة الغيب، ومع ذلكم هو غيب، لا يعلمه هذا المنجم، فإن زعم أنه يعلم ما في يد الحجاج من الحصى ولو عدها الحجاج هي غيب، ما وراء هذا الجدار لا يمكن أن يعرفه من دونه؛ لأنه غيب، إلا بإعانة الشياطين، فتعود المسألة من كونها غيب إلى كونها استعانة بالشياطين، ومعروفٌ أن الشياطين لا يعينون إلا من استعان بهم، وقدم لهم، نسأل الله السلامة والعافية؛ لأنه لم يعرف هذا العدد بمفرده بمجرده إلا بإعانة من يستطيع الوقوف على هذا العدد؛ لأنه خرج عن دائرة الغيب.

ثم أعتقله فأخذ حصيات لم يعدهن فقال: كم في يدي؟ فحسب فأخطأ، ثم حسب فأخطأ؟ ثم قال: أيها الأمير أظنك لا تعرف عددها، قال: لا، قال: فإني لا أصيب، قال: فما الفرق؟ قال: إن ذلك أحصيته فخرج عن حد الغيب، وهذا لم تحصه فهو غيب. و {لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقد مضى هذا في "آل عمران" الحمد لله.

وقوله: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [(66) سورة النمل]، هذه قراءة أكثر الناس، منهم عاصم وشيبة ونافع ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وحميد: {بل أَدْرَك} من الإدراك، وقرأ عطاء بن يسار وأخوه سليمان ين يسار والأعمش: {بل ادَّرَك} غير مهموز مشدداً، وقرأ ابن محيصن ...

ذكر الأعمش في القراءة الأولى والثالثة، ولكن أكثر كتب التفسير لا تذكر الأعمش في القراءة الثالثة، إنما المعروف عنه القراءة الأولى {بل ادارك}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015