وقال يزيد الجريري: سلط الله عليهم الحرَّ سبعة أيام ولياليهن، ثم رفع لهم جبل من بعيد، فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون وشجر وماء بارد فاجتمعوا كلهم تحته، فوقع عليهم الجبل وهو الظلة، وقال قتادة: بعث الله شعيباً إلى أمتين: أصحاب مدين وأصحاب الأيكة، فأهلك الله أصحاب الأيكة بالظلة، وأما أصحاب مدين فصاح بهم جبريل صيحة فهلكوا أجمعين، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} [(190) سورة الشعراء] قيل: آمن بشعيب من الفئتين تسعمائة نفر.
إذا قضى الله شيئاً لا رادّ لقضائه، فكثير من الناس إذا أوى إلى الأماكن الباردة ظن أن الحر انتهى، ويقول: البيت مكيف والسيارة مكيفة والمسجد مكيف والعمل مكيف انتهى الحر، لكن إذا أراد الله شيئاً يسّر أسبابه، وقد تكون هذه المكيفات عذاباً على أهلها، ينقطع منها سبب التكييف ثم تنقلب إلى وبال –نسأل الله العافية- وعلى كل حال على الناس أن يراجعوا دينهم، وإلا فكثير من المسلمين قد انصرف وصدّ عن دينه، ويخشى من قارعة تحل بهم، كما حلت بمن حولهم من البلدان والأقطار، كما نزل في الأمم السابقة من ألوان العذاب وصنوفه، والسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، إذا فعلنا مثلما فعلوا عوقبنا بمثل ما عوقبوا، وليس بيننا وبين الله نسب، وما أهون الخلق على الله.
فعلى المسلمين أن يراجعوا أنفسهم، وأن يرجعوا إلى دينهم، ويتركوا ما هم عليه من فسوق وفجور –نسأل الله السلامة والعافية- بل محادةّ ومحاربة لله ورسوله.
طالب: قيل من قول قتادة -رحمه الله-: بعث الله شعبياً إلى أمتين؟
إيه؛ لأنه جاء، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [(84) سورة هود] والذي معنا {أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} [(176) سورة الشعراء] بعثه إلى أمتين، أما صاحب مدين الذي هو صاحب موسى فالخلاف بين أهل العلم هل هو هذا شعيب، أو شخص آخر؟ وهل اسمه شعيب أو ليس اسمه شعيب؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، والذين يستبعدون أن يكون شعيب هو صاحب موسى، وإن كان شعيب أرسل إلى مدين، وموسى ورد ماء مدين، فالبلد واحد، والمرسل إليهم مختلف؛ لأن بين شعيب وموسى مفاوز؛ لأن شعيب يقول: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} [(89) سورة هود]