فمن أطاع الله وعبده وشغل سمعه وبصره ولسانه وقلبه بما أمره فهو الذي يستحق اسم العبودية، ومن كان بعكس هذا شمله قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [(179) سورة الأعراف] يعني في عدم الاعتبار كما تقدم في الأعراف، وكأنه قال: وعباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض فحذف هم كقولك: زيد الأمير: أي زيد هو الأمير، فـ {الذين} خبر مبتدأ محذوف قاله الأخفش، وقيل: الخبر قوله في آخر السورة: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [(75) سورة الفرقان] وما بين المبتدأ والخبر أوصاف لهم وما تعلق بها قاله الزجاج، قال: ويجوز أن يكون الخبر {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ} [(63) سورة الفرقان].

و {يَمْشُونَ} عبارة عن عيشهم ومدة حياتهم وتصرفاتهم، فذكر من ذلك العظم لا سيما وفي ذلك الانتقال في الأرض، وهو معاشرة الناس وخلطتهم.

المراد بالمشي إذا أطلق يراد به وقع الأقدام على الأرض، هذا المشي، {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} بمعنى أنهم لا يضربون الأرض بأرجلهم بحيث يسمع لهم ضجيج وأصوات ولا يسرعون في المشي وإنما يمشون هوناً، هذه صفة عباد الرحمن وجاء في الخبر أن سرعة المشي تذهب بهاء الوجه، ولا شك أن هذا من الخفة سرعة المشي، خفة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لعلي وقد بعثه للقتال: ((أنفذ على رسلك)) لا شك أن الهون والرفق في كل شيء زين له، لكن قد يكون هناك حاجة تدعو إلى الإسراع في ظرفٍ من الظروف لأمرٍ يفوت، أو لأمرٍ يلحقه ويخشى ضرره لا بأس، فالأمور تقدر بقدرها، والضرورات لها أحكامها، والحاجات لا شك أنها غالبة، ويبقى أن الأصل الهون في كل شيء والرفق واللين.

طالب: كيف يجمع بين هذه الآية وصفة الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كأنه ينحط من صبب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015