قرأ الحسن {الحلْم} فحذف الضمة لثقلها والمعنى: أن الأطفال أمروا بالاستئذان في الأوقات الثلاثة المذكورة، وأبيح لهم الأمر في غير ذلك كما ذكرنا، ثم أمر تعالى في هذه الآية أن يكونوا إذا بلغوا الحلم على حكم الرجال في الاستئذان في كل وقت، وهذا بيان من الله -عز وجل- لأحكامه، وإيضاح حلاله وحرامه. وقال: {فَلْيَسْتَأْذِنُوا} ولم يقل فليستأذنوكم، وقال في الأولى: {لِيَسْتَأْذِنكُمُ} لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبدين، وقال ابن جريج: قلت لعطاء {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}.

يعني الأطفال غير مخاطبين ولذا لم يوجه لهم الخطاب، ما قيل: يا أيها الأطفال استأذنوا، وجه لمن يعقل الخطاب، ولمن يمتثل الخطاب، ولم يلتزم بالخطاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهذا أمر للذين آمنوا بأمر هؤلاء وإلزامهم بالاستئذان، وإلا فالأصل أن الطفل لا يتجه إليه الخطاب؛ لأنه غير مخاطب ولا متعبد.

وقال ابن جريج: قلت لعطاء: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} قال: واجب على الناس أن يستأذنوا إذا احتلموا، أحراراً كانوا أو عبيداً، وقال أبو إسحاق الفزاري: قلت للأوزاعي: ما حد الطفل الذي يستأذن؟ قال: أربع سنين قال: لا يدخل على امرأة حتى يستأذن، وقاله الزهري: أي يستأذن الرجل على أمه، وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية.

أما التحديد بأربع سنين لا شك أن الأطفال يتفاوتون في مثل هذا، بعض الأطفال وهو ابن ثلاث سنين يعقل وينتبه لأمور لا ينتبه لها من هو أكبر منه في الرابعة والخامسة وأحياناً في السادسة، وبعض الأطفال يناهز الحلم ولما يعقل بعد، فهم يتفاوتون والتمييز متفاوت عند الأطفال، منهم من يتقدم تمييزه ومنهم من يتأخر، وأهل الحديث حينما حدّوا صحة السماع بالخمس اعتمدوا على حديث محمود بن الربيع الذي عقل المجة وهو ما يتجاوز خمس سنين وفي روايةٍ: أربع سنين، فلعلها هي معوّل بن جريج حينما حدد بالأربع، لكن الذي في الصحيح: ابن خمس سنين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015