قلت: هذه الحال لم تختص بالخلفاء الأربعة -رضي الله عنهم- حتى يخصوا بها من عموم الآية، بل شاركهم في ذلك جميع المهاجرين، بل وغيرهم، ألا ترى إلى إغزاء قريش المسلمين في أحد وغيرها وخاصة الخندق حتى أخبر الله تعالى عن جميعهم فقال: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [(10 - 11) سورة الأحزاب] ثم إن الله رد الكافرين لم ينالوا خيراً، وأمن المؤمنين، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وهو المراد بقوله: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ} [(55) سورة النور] وقوله: {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [(55) سورة النور] يعني بني إسرائيل إذ أهلك الله الجبابرة بمصر، وأورثهم أرضهم وديارهم، فقال: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [(137) سورة الأعراف] وهكذا كان الصحابة مستضعفين خائفين، ثم إن الله تعالى أمَّنهم ومكنهم وملكهم، فصحَّ أن الآية عامة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- غير مخصوصة، إذ التخصيص لا يكون إلا بخبر ممن يجب له التسليم، ومن الأصل المعلوم التمسك بالعموم ..
يعني حتى يرد المخصص، تمسك بالعموم حتى يرد المخصص.
وجاء في معنى تبديل خوفهم بالأمن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قال أصحابه: أما يأتي علينا يوم نأمن فيه، ونضع السلاح؟ فقال -عليه السلام-: ((لا تلبثون إلا قليلاً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليس عليه حديدة)).
تقدم قريباً.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) خرجه مسلم في صحيحه، فكان كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- فالآية معجزة النبوة؛ لأنها إخبار عما سيكون فكان.
قوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ} فيه قولان: أحدهما: يعني أرض مكة ..
يعني المعهودة، الأرض المعهودة.