والتجت الأصوات: أي اختلطت وعظمت {يَغْشَاهُ مَوْجٌ} أي يعلو ذلك البحر اللجي موج {مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ} أي من فوق الموج موج، ومن فوق هذا الموج الثاني سحاب، فيجتمع خوف الموج وخوف الريح وخوف السحاب، وقيل: المعنى يغشاه موج من بعده موج، فيكون المعنى: الموج يتبع بعضه بعضاً، حتى كأن بعضه فوق بعض، وهو أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب، ومن فوق هذا الموج سحاب، وهو أعظم للخوف من وجهين: أحدهما: أنه قد غطى النجوم التي يُهتدى بها، الثاني: الريح التي تنشأ مع السحاب والمطر الذي ينزل منه.

{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} قرأ ابن محيصن والبزي عن ابن كثير {سحابُ ظلمات} بالإضافة والخفض وقنبل: {سحاب} منوناً {ظلمات} بالجر والتنوين، والباقون بالرفع والتنوين، قال المهدوي: من قرأ {من فوقه سحابُ ظلمات} بالإضافة فلأن السحاب يرتفع وقت هذه الظلمات، فأضيف إليها، كما يقال: سحاب رحمة إذا ارتفع في وقت المطر، ومن قرأ {سحابٌ ظلمات} جرّ {ظلمات} على التأكيد لـ {ظلمات} الأولى أو البدل منها ..

أو كظلمات مجرور بالكاف، والثاني إذا كان مؤكداً له أو بدلاً منه يجرّ.

و {سَحَابٌ} ابتداء، و {مِّن فَوْقِهِ} الخبر، ومن قرأ {سحاب ظلمات} فظلمات خبر ابتداء محذوف، والتقدير: هي ظلمات أو هذه ظلمات، قال ابن الأنباري: {مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ} غير تام؛ لأن قوله: {مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ} صلة للموج، والوقف على قوله: {مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ} حسن، ثم تبتدئ {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} على معنى هي ظلمات بعضها فوق بعض.

وروي عن أهل مكة أنهم قرؤوا {ظلمات} على معنى أو كظلمات ظلمات بعضها فوق بعض، فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على السحاب، ثم قيل: المراد بهذه الظلمات ظلمة السحاب، وظلمة الموج، وظلمة الليل، وظلمة البحر، فلا يبصر من كان في هذه الظلمات شيئاً، ولا كوكباً، وقيل: المراد بالظلمات الشدائد أي شدائد بعضها فوق بعض، وقيل: أراد بالظلمات أعمال الكافر ..

هذه الظلمات -هذه الشدائد- تحجب العقل كما أن الظلمات تحجب الرؤية، يعني على قول من يقول أن المراد بها الشدائد، ولا شك أن الكافر في شدائد، وفي ظلمات يتيه في دياجير الجهل وظلماته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015