يعني: إذا قلنا: أنها من شجر الشام، فالشام في وسط الأرض ليس في شرقها ولا في غربها، ليست من شجر المغرب، وليست من شجر المشرق كالهند والصين وباكستان، وما أشبه ذلك، فهي في وسط الأرض، وهي الأرض المباركة على هذا التقدير، وأما على القول الأول أنها في أي بلدٍ كان مباركة، على القول الثاني لا بركة إلا في زيتون الشام؛ لأنها في الوسط لا شرقية ولا غربية، وعلى القول الأول أنها الغربية التي تصيبها الشمس إذا غربت، والشرقية تصيبها الشمس إذا شرقت، والشجرة المباركة ليست كذلك، فتكون في أي أرضٍ زرعت مباركة.

قد يقول قائل: لماذا لا نقول في قوله -جل وعلا-: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ}؟ وهذا التشبيه إنما هو لمجرد التقريب ولبيان الحقيقة، يعني مثلما جاء في الحديث: كان الله سمعياً بصيراً، وضع إصبعه على عينه، والأخرى على سمعه، وهذا لا يقتضي التشبيه، وإنما ليدل أن الكلام على حقيقته كما أن بصر المخلوق وسمع المخلوق حقيقة، ولا يقتضي هذا المشابهة، وإنما الاشتراك في أصل الحقيقة.

قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} مبالغةً في حسنه وصفائه وجودته.

{نُّورٌ عَلَى نُورٍ} أي اجتمع في المشكاة ضوء المصباح إلى ضوء الزجاجة وإلى ضوء الزيت فصار لذلك نور على نور، واعتقلت هذه الأنوار في المشكاة فصارت كأنور ما يكون، فكذلك براهين الله تعالى واضحة وهي برهان بعد برهان، وتنبيه بعد تنبيه، كإرساله الرسل وإنزاله الكتب ومواعظ تتكرر فيها لمن له عقل معتبر، ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء، وأسعد من عباده، وذكر تفضله للعباد في ضرب الأمثال لتقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإيمان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015