واختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقيل: المعنى أي به وبقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت أمورها وقامت مصنوعاتها، فالكلام على التقريب للذهن، كما يقال: الملك نور أهل البلد، أي به قِوام أمرها، وصلاح جملتها، لجريان أموره على سنن السداد، فهو في الملك مجاز، وهو في صفة الله حقيقة محضة، إذ هو الذي أبدع الموجودات، وخلق العقل نوراً هادياً؛ لأن ظهور الموجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات تبارك الله تعالى لا رب غيره، قال معناه مجاهد والزهري وغيرهما، قال ابن عرفة: أي منور السموات والأرض، كذا قال الضحاك والقرظي، كما يقولون: فلان غياثنا، أي مغيثنا، وفلان زادي، أي مزودي، قال جرير:
وأنت لنا نور وغيث وعصمةٌ ... ونبت لمن يرجو نداك وريقُ
أي ذو ورق، وقال مجاهد: مدبر الأمور في السموات والأرض، أبي بن كعب والحسن وأبو العالية: مزين السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين، وقال ابن عباس وأنس: المعنى الله هادي أهل السموات والأرض، والأول أعم للمعاني، وأصح مع التأويل.
قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ} [(35) سورة النور] أي صفة دلائله التي يقذفها في قلب المؤمن، والدلائل تسمى نوراً، وقد سمى الله تعالى كتابه نوراً، فقال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [(174) سورة النساء] وسمى نبيه نوراً، فقال: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [(15) سورة المائدة] وهذا لأن الكتاب يهدي ويبين، وكذلك الرسول، ووجه الإضافة إلى الله تعالى أنه مثبت الدلالة ومبينها وواضعها، وتحتمل الآية معنى آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل به، بل وقع التشبيه فيه جملةً بجملة، وذلك أن يريد مثل نور الله الذي هو هداه وإتقانه صنعة كل مخلوق، وبراهينه الساطعة على الجملة، كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس، فمثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر.