وقدروا مبلغها وأجلها ولم يعقدوها، وظاهر الأحاديث خلاف هذا، إذا تؤمل مساقها، وقيل: إن بريرة عجزت عن الأداء فاتفقت هي وأهلها على فسخ الكتابة، وحينئذ صحّ البيع إلا أن هذا إنما يتمشى على قول من يقول: إن تعجيز المكاتب غير مفتقر إلى حكم حاكم إذا اتفق العبد والسيد عليه؛ لأن الحق لا يعدوهما، وهو المذهب المعروف، وقال سحنون: لا بد من السلطان، وهذا إنما خاف أن يتواطأ على ترك حق الله تعالى، ويدل على صحة أنها عجزت ما روي أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئاً، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك فعلت، فظاهر هذا أن جميع كتابتها أو بعضها استحق عليها؛ لأنه لا يقضى من الحقوق إلا ما وجبت المطالبة به، والله أعلم.
هذه التأويلات أشبه ما لهم فيها من الدخل ما بيناه، وقال ابن المنذر: ولا أعلم حجة لمن قال ليس له بيع المكاتب إلا أن يقول: لعل بريرة عجزت، قال الشافعي: وأظهر معانيه أن لمالك المكاتب بيعه ..
لأن عائشة اشترت بريرة، فالدليل يدل على جواز بيع المكاتب، لكن هذا ليس على إطلاقه يباع من أي أحد، كما أنه لا يجوز بيعه لمن يظلمه أو يخشى منه أن يستعمله استعمالاً غير شرعي لا يجوز بيعه عليه، فكذلك في مثل هذه الصورة لا يباع على من أراد إعادته إلى الرق، إنما يباع على من أراد عتقه؛ لأن الشرع يتشوف إلى العتق.
الحادية عشرة: المكاتب إذا أدى كتابته عتق، ولا يحتاج إلى ابتداء عتق من السيد ..
يعني يعتق بمجرد سداد نجوم الكتابة، ولا يحتاج أن يتلفظ بأنه عتق، فلا يقول السيد: أعتقتك وأنت حر بعد ذلك.
وكذلك ولده الذين ولدوا في كتابته من أمته يعتقون بعتقه ويرقون برقه؛ لأن ولد الإنسان من أمته بمثابته اعتباراًَ بالحر، وكذلك ولد المكاتبة فإن كان لهما ولد قبل الكتابة لم يدخل في الكتابة إلا بشرط.
الثانية عشرة: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور].