لكن لا يصلح أن يكون الاستثناء راجحاً لوجود الأدلة المعارضة، والأدلة على وجوب تغطية الوجه والكفين أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة الإفك، فاستيقظت باسترجاعه، فخمرت وجهها، وقالت: إنه كان يعرفها قبل الحجاب، ولو كان كشف الوجه جائزاً لما احتاجت إلى مثل هذا؛ لأنه يعرفها باستمرار، وأيضاً المرأة إذا خطبت يُنظر إليها ((انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) ولو كانت تكشف وجهها ما احتاج إلى أن يقال مثل هذا، وقد كان جابر -رضي الله عنه- يتخبأ لها لينظر إليها، فلو كانت ممن يكشف الوجه، وكشف الوجه سائغ في وقتهم لما احتاجوا إلى مثل هذا.
يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لها: ((يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا -وأشار إلى وجهه وكفيه-)).
والحديث مضعف عند أهل العلم.
فهذا أقوى في جانب الاحتياط، ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها ..
وعلى كل الحالين إن أظهرت وجهها فلتظهر كل شيء؛ لأن الوجه هو محل المحاسن.
والله الموفق لا رب سواه، وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزاً أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها ..
ولو كانت عجوزاً أو مقبحاً ما لم تكن من القواعد اللاتي استثنين، فلا يجوز لها أن تكشف شيئاً من وجهها، لأن لكل ساقطةٍ لاقطة، هذه العجوز تجد من يشتهيها، وهذه المقبحة تجد من يميل إليها، وعلى كل حال كل ما كان مثار فتنة الرجال وجب على المرأة ستره، وإذا كان الزمان زمان فتنة، فالستر محل إجماع بين أهل العلم.