الثالثة: أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية، حذراً من الافتتان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة، واختلف الناس في قدر ذلك، فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة هو الثياب، وزاد ابن جبير الوجه، وقال سعيد بن جبير أيضاً وعطاء والأوزاعي: الوجه والكفان والثياب، وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة: هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس، وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر آخر عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا)).
عركت يعني: حاضت.
وقبض على نصف الذراع، قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية: أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك ..
يعني: إذا خرج هذا من غير قصد، وحديث عائشة يمكن توجيهه على الأولياء المذكورين في الآية، وأنها لا تخرج لهم إلا ما يظهر غالباً.
فـ {مَا ظَهَرَ} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه، قلت: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما ..