لا تفيد العلم مهما كثر ناقلوها.

التاسعة: قوله تعالى: {لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} [(13) سورة النور] هذا توبيخ لأهل الإفك و {لولا} بمعنى هلا، أي هلا جاءوا بأربعة شهداء على ما زعموا من الافتراء، وهذا رد على الحكم الأول وإحالة على الآية السابقة في آية القذف ..

يعني هذا رد على الحكم الأول، الحكم الأول أنه لا بد من إقامة البينة، لا بد من إقامة البينة التي جاءت في الآية السابقة، وهو الحكم الأول للمسألة.

العاشرة: قوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [(13) سورة النور] أي هم في حكم الله كاذبون ..

ولو كانوا في نفس الأمر وحقيقته صادقين، يعني لو جاء ثلاثة وحلفوا وجزموا أنهم رأوا الفعلة الشنيعة الفاحشة بين رجلٍ وامرأة رأوها بأعينهم، رأوها رؤيةً لا مرية فيها هم في الواقع وحقيقة الأمر صادقون لكنهم في الحكم الشرعي كاذبون، {فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} أما في حقيقة الأمر وإن كانوا صادقين فهم كاذبون، ويستحقون بذلك الحدّ.

أي هم في حكم الله كاذبون، وقد يعجز الرجل عن إقامة البينة، وهو صادق في قذفه، ولكنه في حكم الشرع وظاهر الأمر كاذب، لا في علم الله تعالى، وهو سبحانه إنما رتب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا لا على مقتضى علمه الذي تعلق بالإنسان على ما هو عليه، فإنما يبنى على ذلك حكم الآخرة. قلت: ومما يقوي هذا المعنى ويعضده ما خرجه البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: أيها الناس إن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمّناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم يؤمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة، وأجمع العلماء أن أحكام الدنيا على الظاهر، وأن السرائر إلى الله -عز وجل-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015