ليس يحفظ وهذا معنى قوله: {ولقد يسرنا القرآن} والتيسير هذا خاص بكتاب الله -جل وعلا- الذي هو القرآن، أم غيره من الكتب فما يسرت، موسى يقرأ على قومه من الألواح وإن قالوا، في بعض التفاسير يقول: إن موسى وهارون وعزير ويوشع كلهم يحفظون التوراة، لكن النصوص الكثيرة تدل على أن تيسر الحفظ إنما هو لكتاب الله الذي هو القرآن، "وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر قلب غيره"، يعني غير القرآن؛ لأن بعض الناس يتذرع يقول: حاولت أحفظ ما قدرت، هذا إما لسوء في الطريقة، أو لدخن في النية، أو لملل؛ لأن بعض الناس يمل ما يصبر على الحفظ، إما لملل، إما لما جبل عليه، يعني ما عنده صبر ولا عنده جلد، يجلس اليوم ويحفظ عنده همة قوية، لكن غداً ما يجلس، أو لسوء في الطريقة، تجد حافظته لا تسعفه، يعني بإمكانه أن يحفظ ثلاث آيات، فيحمل نفسه عشر آيات، وبإمكانه أن يحفظ عشر فيحمل نفسه إلى أكثر، هذا يقرأ القرآن ويحفظ القرآن بالتدريج، ويتعلم ما فيه من علم وعمل إذا كان لا يستطيع أن يستغل الوقت في الحفظ؛ لأن الناس يتفاوتون، من الناس من يحفظ جزء في اليوم، ويحفظ القرآن في شهر، ومنهم من يحفظ في شهرين، ومنهم من يحفظ في ثلاثة، ومنهم من يحتاج إلى عشرة سنوات، والحمد لله هو على خير والأجر واحد سواء حفظ بسنة أو بعشر الأجر واحد.
المقصود أنه يحرص ويبذل من نفسه، ويسلك المسالك التي تؤديه إلى النتائج المحمودة، لا يكون كالمنبت يحفظ في يوم جزء ثم ينتظر شهراً ما حفظ شيئاً، بحيث إذا رجع يكون نسي ما حفظ يحفظ بالتدريج، وإذا كانت حافظته تسعفه ورقة يحفظ ورقة الحمد لله، الأمر ليس من الأمور التي هي على الفور، إنما هي على قدرة الإنسان وما أتاه الله-جل وعلا-، فلا يكلف {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] هذا الذي لا يستطيع أن يحفظ إلا آية واحدة ويحتاج إلى عشرين سنة ليحفظ القرآن أحسن من لا شيء؛ لأن العمر يمر بدون فائدة، لكن الذي يستطيع أن يحفظ أكثر فالله أكثر.