وهنا {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} يقول: "سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر" فمن يعتذر بأن القرآن صعب عليه، قد يوجد من هذا النوع من يوجد لكنه بسببه، وإلا فالله-جل وعلا- يسر وسهل القرآن، ويوجد عجائز في السبعين والثمانين من تحفظ القرآن، وشيوخ كبار لا يقرؤون ولا يكبتون ويحفظون القرآن؛ لأن القرآن ميسر، لكن لمن لمن يسره الله عليه من المدكرين {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] متعظ وحافظ، ابذل من نفسك، وتعب في تحصيله، أما أن تسترخي وتتمنى وتخطط ولا تنفذ، هذا ما تحفظ ما يمكن تحفظ بهذه الطريقة، قد يقول قائل: القرآن فيه المتشابه كثير فأنت تحفظ في سورة ثم تخرج إلى غيرها لما يشبهها من الآيات، نعم لأنه قول ثقيل يحتاج إلى تعب، ويحتاج إلى صدق وعزيمة، ورتب عليه أجور عظيمة سواء كان في قرأته، أو في حفظه، أو في فهمه، أو تدبره، أو في ترتيله، أوفي العمل به، والتفقه منه، هذه أجور لا يمكن أن يقدر قدرها إلا الله-جل وعلا-، ولذلك تحتاج إلى عناء وتحتاج إلى تعب، والتيسير هذا لا ينافي المشقة على بعض الناس، ((والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق يتتعتع فيه)) هذا لا ينافي التيسير، لأن الله-جل وعلا- إذا علم الصدق النية من هذا الشخص وبذل من نفسه، أعانه عليه ويسره عليه، ((والدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ومع ذلكم الدين أوجب الجهاد الذي فيه إزهاق النفوس، وأجب الحج الذي فيه ما فيه من المشقة العظيمة، ومع ذلك الدين يسر ما فيه تنافي بين هذا وهذا أبدا، لكن من بذل يسر له الأمر، من بذل وأعطى من نفسه بصدق ويقين بموعود الله -جل وعلا- يبشر، أم الذي يتمنى هذا لن يحصل له شيء.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} "سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر"، {فهل من مدكر} "متعظ به وحافظ له، والاستفهام بمعنى الأمر" {فهل من مدكر} يعني ادكروا، اعتبروا، اتعظوا، احفظوا، اقرءوا، تدبروا، أعملوا كل هذا أمر، "والاستفهام بمعنى الأمر أي احفظوه، واتعظوا به، وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر القلب غيره".