{فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ} [(23) سورة الذاريات] أي رزقكم، وما توعدون، إلا أنه قال: "أي ما توعدون" فورب السماء والأرض أنه أي ما توعدون، وعود الضمير على جميع ما تقدم من الرزق وما يوعدون أولى؛ لأنه متعقب لأكثر من جملة، وما يتعقب جمل سواءً كان في مثل هذا الموضع القسم، أو الاستثناء، أو الوصف يعني عوده إلى جميع ما تقدم إن أمكن هو الأصل، وإذا منع منه مانع حمل على البعض دون ما منع منه مانع، كما في قول الله -جل وعلا- في آية القذف في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النور] فالاستثناء متعقب لثلاث جمل، حكم بها على القاذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النور] هذا الحكم الأول، هل يتناوله الاستثناء بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النور]؟ لا، لا يتناوله الاستثناء لوجود مانع؛ لأنه حق آدمي لا تسقطه التوبة {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النور] أما وصف الفسق فيرتفع بالتوبة اتفاقاً، ويبقى الخلاف في {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] فمع هذا التأبيد قال بعض أهل العلم أنه لا تقبل شهادته مطلقاً ولو تاب، ولو ارتفع عنه وصف الفسق، ومنهم من قال: إنه لا يوجد ما يمنع من قبول شهادته إذا ارتفع الوصف المانع من قبول الشهادة وهو الفسق، وهنا: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ} [(23) سورة الذاريات] الضمير يعود على ما قال المؤلف -رحمه الله-: "أي ما توعدون" ولا مانع من أن يعود على ما تقدم، إنه أي رزقكم وما توعدون أيضاً {لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [(23) سورة الذاريات] حق صدق، كلام أصدق من تكلم، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [(87) سورة النساء] لحق: لصدق، يقول هنا: {مِّثْلَ