قال المصنف: [وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت]، فبعد أن بين الصوم لمن عجز عن الواجب، تحدث عن طواف الوداع، وليس على المعتمر طواف وداع، وقد أفتى شيخنا ابن عثيمين رحمه الله أن عليه طواف وداع، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أدى العمرة في أكثر من مرة ولم يطف للوداع، ولكن شيخنا رحمه الله أخذ بمطلق النص، وقال: (فليكن آخر عهدك بالبيت)؛ فأراد أن يلزم المعتمر بطواف الوداع.
لكن طواف الوداع يسقط عن المرأة إذا حاضت.
وإذا ترك الحاج طواف الوداع ورحل إلى بلده فعليه دم؛ لأن طواف الوداع واجب، وطواف الإفاضة ركن، فإن ترك الإفاضة فقد بطل الحج، وإن ترك الوداع يلزمه فدية يذبحها في مكة، أو يرسل بدنانير إلى مكة تذبح عنه وتوزع بداخل مكة، فإن عجز عن هذه الفدية فعليه صيام عشرة أيام في بلده.
قال الشارح: [وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره حتى يكون آخر عهده بالبيت؛ لما روى ابن عباس قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)، متفق عليه.
ولـ مسلم قال: (كان الناس ينصرفون كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت).
فإن اشتغل بعده بتجارة أعاد طواف الوداع]، فلو أن رجلاً طاف طواف الوداع، ثم توجه إلى الفندق لحمل حقائبه وهو في الطريق اشترى ماءً وغذاءً، فإنه لا يعيد الطواف لأنه تزود للسفر، فلا بأس بذلك، إنما المحظور بعد طواف الوداع أن يقيم في مكة للتجارة، أو أن يبقى بها، فلا بد أن يرحل منها؛ لأن هذا هو آخر عهده، فإذا اشتغل بالتجارة أعاد.
قال الشارح: [وذلك أن الوداع إنما يكون عند خروجه؛ ليكون آخر عهده بالبيت، فإن طاف الوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة؛ أعاد طواف الوداع للحديث.
ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب فيلتزم البيت؛ لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: (طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا نتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، فقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطاً، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).
قال المصنف: [فمن خرج قبل الوداع رجع إن كان قريباً]، يعني: من خرج من مكة ولم يطف للوداع؛ فإن كان قريباً فعليه أن يعود ليطوف طواف الوداع.
قال المصنف: [وإن أبعد بعث بدم]، يعني: إن خرج من مكة وبعد؛ بعث بدم.
قال المصنف: [وذلك لأن طواف الوداع واجب يجب بتركه دم، وليس ركناً، فإذا خرج قبل فعله لزمه الرجوع إن كان قريباً، لأنه أمكنه الإتيان بالواجب من غير مشقة، فلزمه كما لو كان بمكة، وإن كان بعيداً لم يلزمه الرجوع؛ لأن فيه مشقة، فلم يلزمه، إلا المرأة الحائض والنفساء فلا وداع عليهما للخبر، والنفساء في معنى الحائض، ويستحب لهما الوقوف عند باب المسجد والدعاء]، أي: يستحب للحائض والنفساء أن يقفا عند المسجد؛ لأن المرأة الحائض لا تمنع من الذكر، وإنما تمنع من الطواف.
فإذا حاضت المرأة ولم تطف للإفاضة وكان الركب يستعدون للرحيل، فإنها تتحفظ وتطوف للإفاضة ويلزمها فدية، ومسألة الفدية فيها خلاف: من العلماء من قال: تتحفظ وتطوف ولا شيء عليها؛ لأنها معذورة، وهذا الركن بالنسبة لها سقط بعجزها، أو لأن المشقة تجلب التيسير.
وبعضهم قال: لابد لها من فدية بعد الطواف.
وقد ذكرنا أحكام الحائض والنفساء قبل ذلك، وابن تيمية فرق بين الحائض والجنب، فالجنب بيده أن يرفع الجنابة، أما الحائض فليس في يدها شيء، فلا يجوز للحائض أن تدخل المسجد، لكن رخصنا لها لأن الركب سيرحل، ومن المستحيل أن نقول للركب: قفوا حتى تطهر؛ ولذلك (قال صلى الله عليه وسلم لـ صفية: أحابستنا هي؟! فأخبروه أنها طافت للإفاضة ولم تطف للوداع؛ فرحل صلى الله عليه وسلم).
فقوله: أحابستنا هي؟! بمعنى أنه سيستمر معها حتى تطهر لتطوف للإفاضة؛ لذلك يستحب للنساء بعد رمي جمرة العقبة، وبعد الذبح والتحلل أن يطفن للإفاضة مسرعات؛ لأن المرأة الحائض تمنع الركب من الرحيل، فبما أنها تستطيع أن تطوف الإفاضة في يوم النحر فتطوف.
وقد ذكرنا قبل ذلك أحكام الحيض والنفاس في عدة محاضرات وقلنا: إن الحيض يمنع عشرة أشياء، منها ما هو متفق عليها، ومنها ما هو مختلف فيها، ودم النفاس كدم الحيض تماماً، إلا أن النفساء أطول عدة لها أربعون يوماً، فإن زاد فهو استحاضة.