قال الشارح: [أجمع أهل العلم أن لمن أراد الخروج من منى شاخصاً عن الحرم غير مقيم بمكة، أو ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق إذا رمى فيه، فأما إن أحب أن يقيم بمكة؛ فقد قال أحمد: لا يعجبني لمن نفر النفر الأول أن يقيم بمكة]، يعني: أن مذهب الإمام أحمد فيمن تعجل أن يخرج من مكة ويسافر، فطالما أنك مقيم بمكة أياماً تأخر، إذ ما الفرق بين المبيت بمكة ومنى، التعجل لمن أراد أن يسافر من مكة، أما إن كنت باقياً في مكة فالأولى لك أن تتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر؛ لذلك فإنك حين تنظر إلى منى في يوم الثالث عشر تجدها خاوية إلا من القليل، وعندما تذهب إلى مكة تجد الحجاج في الفنادق لا زالوا يقيمون فيها، لماذا تقيمون في الفنادق؟ أقيموا في منى، فإن أراد أن يرحل تعجل، وإن أراد أن يقيم فيتأخر.
قال الشارح: [وكان مالك يقول: من كان له عذر من أهل مكة؛ فله أن يتعجل في يومين، وإن أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحج فلا، ويحتج من يذهب إلى هذا بقول عمر: من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول إلا آل خزيمة فلا ينفروا إلا في النفر الآخر، قال ابن المنذر: جعل أحمد وإسحاق معنى قول عمر: إلا آل خزيمة، أي: أنهم أهل حزم، وظاهر المذهب جواز النفر في النفر الأول لكل أحد]، يعني: يجوز أن يخرج من منى حتى وإن تأخر بمكة، لكن هذا على سبيل الاستحباب؛ لأن الآية جاءت واضحة قال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203]، وإن أدركه الغروب ولم يخرج من منى؛ يلزمه المبيت بها حتى يرمي في اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة.