قال: [ويستحب الإكثار منها على كل حال؛ لما روى ابن ماجه عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يضحي لله ويلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كيوم ولدته أمه)، ويستحب رفع الصوت بها؛ لما سبق، ولا يستحب ذلك للنساء؛ لأنهن عورة، فالإخفاء في حقهن أستر لهن].
المرأة تلبي فلا تسمع إلا نفسها.
وصوت المرأة ليس بعورة، لكن إن ارتفع الصوت عن الحد المطلوب فيعتبر فتنة، إنما قولنا: صوت المرأة عورة هذا الكلام غير صحيح من وجوه كثيرة شرعية، فإن الله عز وجل قال في سورة البقرة: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282].
فإذا كنت مديناً لك وكتبنا الدين واستشهدنا رجلاً وامرأتين على الورقة، فجحدت الدين وأنكرته، فرفع الأمر إلى القاضي، والقاضي طلب الشهود الرجل والمرأتين وسألهم: هل أقرض هذا الرجل هذا الرجل بهذه الورقة؟ فهل تجيب المرأة أم تتنحنح لأن صوتها عورة؟ هذا لا يمكن أبداً، فالقرآن أباح لها أن تشهد، إذاً: هنا نقول: صوتها ليس بعورة.
ولننظر في حديث البخاري: (هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت يا رسول الله؟! قال: نعم، إذا رأت الماء) وقالت النساء: (يا رسول الله! اجعل لنا يوماً كما للرجال أياماً).
إذاً: تحدثن، وقد ثبت هذا من طرق عدة لكن المنهي عنه هو الخضوع بالقول، قال عز وجل: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]، إذاً: المنهي عنه هو الخضوع، وإنما المطلوب أن يكون صوتها على طبيعته، وبعض الإخوة يأمر زوجته -وهذا غير شرعي- أنها تخشن الصوت، وإذا تكلمت لا تعرف هل هي رجل أم امرأة، وهذا غير صحيح، بل اتركها على طبيعتها فلا تلين ولا تغلظ، فالمنهي عنه للمرأة الخضوع بالقول وليس النهي عن القول.
فصوت المرأة ليس عورة إلا إذا كان في معصية الله، أما إذا كان في الطاعة فنأمرها أن تخفض الصوت، فما بالك بالمعصية بأن تقف وتغني وتهيج الدنيا؟! نسأل الله العافية.
قال المصنف: [وهي آكد -يعني: التلبية- إذا علا نشزاً].
النشز: العلو والترفع، ومنه النشوز، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء:34] النشوز هنا: العلو والترفع على الرجل، ومنه نشزت الأرض، أي: ارتفعت، وأرض ناشزة، يعني: مرتفعة.
فنشوز المرأة: ترفعها على الزوج، فلا تسمع له كلاماً، ولا تطيع له أمراً.
فتتأكد التلبية إذا علا مكاناً مرتفعاً.
قال المصنف: [أو هبط وادياً أو سمع ملبياً أو فعل محظوراً ناسياً أو لقي ركباً وفي أدبار الصلوات المكتوبة وبالأسحار].
هذه أوقات يستحب فيها أن يكثر من التلبية؛ لحديث جابر، وحديث جابر بن عبد الله في مسلم هو العمدة في حجة الوداع؛ لأنه روى الحج كما رآه في صفحتين أو ثلاث في صحيح مسلم، فحديث جابر هو مرجعنا في حجة النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي في حجته إذا لقي ركباً أو علا أكمة أو هبط وادياً وفي أدبار المكتوبة ومن آخر الليل).
قال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة وإذا هبط وادياً، وإذا على نشزاً، وإذا لقي ركباً، وإذا استوت به راحلته.