قال المصنف: [والأفضل ألا يحرم قبل الميقات، فإذا فعل فهو محرم].
أي: لو أن رجلاً من مصر لبس الإحرام في المطار وقال: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، فهنا نوى ولبس الإحرام ولبى، فهذا أحرم قبل الميقات، وإذا أحرم قبل الميقات فهو يريد أن يضيّق على نفسه ويخالف السنة، ولكن إحرامه صحيح، والإحرام من الميقات واجب، فلو أنه أحرم قبل الميقات فسيمر على الميقات وهو محرم، وهذا ليس فيه شيء، إنما خالف السنة.
جاء رجل إلى الإمام مالك وقال: يا إمام! إني أريد أن أحرم وأنا من أهل المدينة؟ قال: إحرامك من ذي الحليفة، قال: إني أريد أن أُحرم من الروضة، يعني: لما فيها من الفضل، ففي الحديث (ما بين بيتي -وفي رواية: قبري- ومنبري روضة من رياض الجنة) والبخاري بوّب على هذا الحديث فقال: باب فضل ما بين القبر والمنبر؛ لأن القبر في البيت، فهو إخبار على ما كان، والحديث الصحيح: (بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا في حياته، ولم يكن يعلم أين سيكون القبر، فكونه يقول: (بين قبري) ولم يكن له قبر هذا معناه أنه يعلم الغيب، والله عز وجل يقول: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] كذلك قوله للصحابة: (ما بين قبري ومنبري) في هذا يقول ابن حجر: يحدثهم بما لا يعرفونه؟! فالصحابة لم يكونوا يعرفون أين سيكون القبر، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحدثهم بما لا يعرفونه، ويستحيل هذا، هذا كلام العلامة ابن حجر، فرواية القبر بدون أدنى شك رواية غير صحيحة؛ لأنها تخالف الأسس والقواعد وأمر العقيدة عندنا.
قال الإمام مالك للرجل الذي أراد أن يحرم من الروضة: لا تفعل؛ فإني أخاف عليك الفتنة، قال: وأي فتنة يا إمام؟! ما هي إلا أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك أكمل هدياً من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تلا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
فانظر إلى اتباع الإمام مالك رضي الله عنه لهدي النبي عليه الصلاة والسلام.
وطبعاً نحن واقعون في هذه الأيام في المحدثات والبدع، فتجد في بعض الكتب دعاء الشوط الأول ودعاء الشوط الثاني، وكل شوط له دعاء، ودعاء عند الركن فكل هذه الأدعية ليست صحيحة، وكثير من الناس ينتدبون من يدعو لهم ويعطونه بعضاً من المال، وهذا لا يجوز، ففيه ضوضاء وصخب وشوشرة على الناس، قال عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الأعراف:205] فكل واحد يدعو الله، وكل إنسان يدعو الله بما يحتاج إليه، والبعض لديه بعض الكتب التي يلتزم الدعاء منها! وهذا من البدع المحدثة؛ لأن فقه الحج فقه غائب عندنا، والجهل منتشر، فقد رأيت في الحج امرأة مصرية كبيرة في السن، وعند صلاة الفجر في جماعة في الحرم كانت تملأ الماء من بعض صنابير المياه في زمزم التي خارج الحرم، وظلت تملأ الماء، وبعد أن انتهت كان الشيخ في حالة قراءته للتشهد ليسلم فأسرعت لتجلس للتشهد ثم سلّمت معه! فأصبحت بهذا قد انتهت من صلاة الفجر! فأصبحت صلاتها هي إدراك التشهد، أرأيت جهلاً كهذا الجهل؟! وآخر جاء معنا في رحلة الحج وأول ما نزل من الباخرة ذهب إلى الحلاق مباشرة؛ لأنه يظن أن العمرة هي الحلق.
وآخر يسأل عن الكعبة ويقول: ما هو هذا الصندوق الأسود؟ وأمثال هؤلاء كثير جداً ممن هم واقعون في الجهل الذي ينتشر في الأمة، وذلك بسبب تقصيرنا في المسئولية، فنحن نقصر في المسئولية، فإن مما ينبغي أنه قبل أن يذهب الحجاج نجمعهم في مسجد ونقوم بتنفيذ المناسك عملياً، ويكون فيهم مشرف ديني عالم؛ فإن هذه مسئولية كبيرة.
وبالنسبة لدخول مكة الشافعي يرى أن من أراد دخول مكة لا يلزمه الإحرام إلا إذا كان ينوي العمرة، أما من دخل لعمل فلا يلزمه.
وفي الحقيقة أن رأي الشافعي راجح في هذه المسألة، وهذا اختيار كثير من العلماء، وهذا كلام الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله وشفاه الله، فقد سمعته يقول لطلبة العلم في الحرم المدني: إن طالب العلم لابد أن يبدأ بدراسة مذهب واحد يتخصص فيه في الأصول وفي الفقه، ويتوسع في الدراسة، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الفقه المقارن بالمذاهب الأخرى، وهذا مهم جداً في بداية الدراسة، فنحن نلزم طالب العلم أن يدرس مذهباً لا أن يتمذهب، وفرق بين دراسة المذهب والتمذهب، فالتمذهب هو أن يعتنق المذهب ويدور معه حيث دار سواء كان راجحاً أو مرجوحاً، وهذا غير صحيح، لكن لابد أن يدرس مذهباً، وأنا أقول: هل تعلمون عالماً من السلف ليس له مذهب؟ فـ ابن رجب حنبلي، وابن عبد البر مالكي، و