الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه أجمعين.
وبعد.
لا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، ومع باب المواقيت من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى.
وباب المواقيت باب هام؛ لأنه يترتب على عدم الإحرام من الميقات أن يعود الحاج أو المعتمر إلى الميقات مرة ثانية إن استطاع، أو يلزمه فدية لعدم إحرامه من الميقات، ويترتب على ذلك مشاكل كثيرة في النسك؛ لأن عدم العلم بهذا الواجب يدل على عدم معرفة بفقه أحكام الحج والعمرة عند الكثير، فتجد الرجل يحرم بعد الميقات أو يحرم من مكة، أو يحرم من بيته وكل هذه الأمور التي فيها مخالفات ينبغي أن نقف عندها.
الحج والعمرة لهما ميقات زماني وميقات مكاني.
أما الميقات الزماني للحج فيقول ربنا فيه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] أي: أن الحج لا يقع إلا في هذه الأشهر: شوال، وذي القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وجزء الشهر سمي هنا شهراً، قال تعالى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)) فمن أراد الحج فلابد أن يحرم بالحج في هذه الأشهر، فمن أحرم بالحج في رمضان فحجه باطل؛ لأن رمضان ليس من أشهر الحج، وعلى هذا أيضاً من اعتمر في رمضان ثم ظل هناك إلى أن أحرم بالحج لا يسمى متمتعاً؛ لأن التمتع أن تقع منه العمرة في أشهر الحج، فإذا اعتمر في شوال ثم ظل في مكة إلى أيام الحج وأحرم بالحج بعد أن أدى العمرة في شوال فهو الآن متمتع؛ لأنه أوقع العمرة في أشهر الحج، وهذا معنى قول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196].
أما الميقات الزماني للعمرة فكل السنة تصلح لأداء العمرة، وهناك في السعودية تنظم أوقات للعمرة فقط، لكن العمرة ميقاتها الزماني في كل أيام السنة.
أما الميقات المكاني للحج والعمرة فقد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى كلمة (الميقات): أنه لا يجوز للحاج أو للمعتمر أن يمر على الميقات دون أن يحرم، ومعنى يحرم: يلبس ملابس الإحرام وينوي ويلبي، وله أن يلبسه من بيته، ولو أن رجلاً من مصر لبس الإحرام في المطار فلا نسميه محرماً إلا إذا عقد النية ولبى في الميقات، فليس معنى لبس الإحرام هو الإحرام، إنما معنى الإحرام عقد النية والتلبية، هذا هو الإحرام.
ولذلك فهذه المواقيت المكانية ينبغي أن نكون على علم بها، وهي من معجزات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وقّت لأهل العراق ذات عرق، وكانت العراق لم تفتح بعد، وإنما فُتحت بعد موته عليه الصلاة والسلام، وهكذا الشام، فكونه يوقّت لبلاد لم تفتح في عهده وفتحت من بعده فهذا من أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وميقات أهل المدينة ذو الحليفة] وهي المشهورة عند الناس الآن بأبيار علي، لكن نلتزم التسمية الشرعية.
[والشام ومصر والمغرب الجحفة] يعني: أن أهل الشام وأهل مصر وأهل المغرب يحرمون من الجحفة.
والجحفة عُدّل اسمها الآن إلى رابغ، فميقات أهل مصر هو رابغ، ويبعد عن مكة بما يقرب من 250 كيلو متر تقريباً، وهو ميقات أهل مصر، وميقات أهل الشام، وميقات أهل المغرب.
والشام يشمل الأردن، وسوريا، وفلسطين، ولبنان هذه كلها تسمى أرض الشام، وهي أرض مباركة، قال الله في حقها: {إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء:71]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (هي أرض المحشر والمنشر) فيُحشر الناس إليها، ويبعث الناس عليها، والأعين الآن تتجه إليها، فانتبه يا عبد الله! فهناك مخطط أثيم قديم للأعداء لكننا لا نقرأ، فقد لاموا بيغن يوماً على أنه أدلى بتصريحات خطيرة في مذكراته وفي أجوبته على الصحفيين، فقال: اطمئنوا؛ فإن العرب لا يقرءون، وإذا قرءوا لا يحسنون الفهم، وإذا فهموا لا يحسنون العمل! فالرجل على دراية ودراسة بنا، وهذا الكلام الذي يحدث اليوم في أرض الواقع مسجّل منذ قديم، وهو مخطط أثيم، ينفذ بخطة محكمة، والله من ورائهم محيط، فلا تحزن ولا تيأس فإن دين الله ظاهر بنا أو بغيرنا، قال عز وجل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد:38] لأن الله هو الذي يحفظ الدين، وانظر إلى حال الصحابة في يوم الأحزاب وفي يوم بدر، قال عز وجل: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26] فالإسلام هو دين رب العالمين سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
قال المصنف رحمه الله تعال