قال رحمه الله: [وكذلك سائر التطوع -أي: المتطوع أمير نفسه- إلا الحج والعمرة، فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما] أي: أنه إذا شرع في الحج والعمرة فلا بد أن يتم حتى وإن كان تطوعاً؛ لأن الله عز وجل قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، وأما صيام النذر فهو واجب، وشأنه شأن رمضان.
ولو أن رجلاً حج حجاً متطوعاً، فجامع زوجته يوم تسعة من ذي الحجة، فقد فسد الحج؛ لأنه جامع قبل التحلل الأول، فالحج له تحللان: تحلل أصغر وتحلل أكبر، والتحلل الأصغر يكون في يوم النحر، بأن يأتي بفعلين من ثلاثة، وهي: رمي، فطواف، فحلق، فإذا رمى وذبح تحلل، أو طاف وذبح أو رمى وطاف فهنا أتى بفعلين من هذه الثلاثة، وتحلل تحللاً أصغر، ويجوز له كل محظورات الإحرام إلا الجماع، فإن جامع قبل التحلل الأول فسد حجه، ويمضي في حجه، أي: أنه يكمل المناسك ويقضي وجوباً من العام القادم، وإن جامع بعد التحلل الأول فعليه شاة أو بدنة، وإن أكمل الحج فحجه صحيح، إلا إذا جامع قبل الطواف بالبيت فيلزمه أن يذهب إلى التنعيم وأن يحرم ليطوف بالبيت، إلا إذا كان قد حصل الطواف فلا يلزمه أن يذهب إلى التنعيم، وهذا هو القول الراجح من أقوال العلماء.
والفاسد هو الباطل عند جمهور العلماء إلا في الحج والزواج.
ولا فرق بين الفساد والبطلان عند الجمهور خلافاً للأحناف، فقد فرقوا بين الفاسد والباطل كما فرّقوا بين الفرض والواجب، أما الجمهور فلم يفرقوا بين المصطلحين إلا في الحج والزواج، فالحج الفاسد يختلف عن الحج الباطل، والزواج الفاسد يختلف عن الزواج الباطل، فمن زوّج نفسه وهو محرم، فزواجه فاسد لأن المحرم نهي عن أن يزوج نفسه أو أن يزوج غيره، وإن غاب من أركان الزواج ركن كالولي فإن الزواج باطل، فغياب ركن يجعله باطلاً، إنما إن كان هناك نهي أصلي عن الزواج فهو فاسد.