قال رحمه الله: [ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه، ليتقوى على الدعاء].
المفروض في الفقيه أن يكون موزوناً في الألفاظ، فقوله: لا يستحب، معنى ذلك أنه لو صام يوم عرفة لا يحرم عليه.
والحجاج لا يصومون ذلك اليوم، حتى يتقووا على العبادة والطاعة حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل يدعو وهو على الدابة فسقط منه خطام الناقة، فأخذه أسامة بن زيد لأنه عرف أن يدي النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعتان عالياً يبتهل إلى الله بالدعاء في يوم عرفة، وهو أفضل يوم طلعت فيه شمس العام، ولذلك يسن للحاج فيه أن يبتهل بالدعاء والذكر والاستغفار والطاعة والبكاء والخشية، والإنابة وغسل الذنوب، وأن ينعزل مع نفسه، فإذا ذهبت إلى عرفة سترى ما لا يمكن أن يصدّق، فيا من قطعت المسافات وكلّفت نفسك آلاف الجنيهات، وعقدوا لك المؤتمرات قبل سفرك سيارة في رحيلك، وسيارات مع عودتك، وأعلام بيضاء وكتابة على الجدران الحاج ذهب الحاج جاء.
نظر ابن عمر إلى الحجيج في زمنه فوجدهم كثر، فقال: الركب كثير والحاج قليل أي: عدد كبير جداً من كل أنحاء الدنيا، لكن من الذي يقبل الله منه؟ هل يقبل من جاهل لا يعرف العقيدة ولا الوضوء ولا يعرف كيف يطوف بالبيت؟! إني أجد أموراً غريبة، فمنذ نحو أسبوعين اتصل بي أحد الإخوة المعتمرين وقال: يا شيخ أنا الآن في المسجد الحرام لا أدري ماذا أفعل بجوار الكعبة، قل لي كيف أطوف وكيف أصنع؟ قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أرأيتم إلى العبء الملقى على أعتاقكم، أن تعلموا الناس الشرع، فهذا الدين مسئولية وأمانة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وقال أيضاً: (نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها، فرب مبلّغ أوعى من سامع) وديننا دين البلاغ، وأمتنا أمة الدعوة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] وعندما نكون أمة دعوة لا نخشى على أحد، فلا نخشى على الشباب من الانحراف، فشبابنا اليوم عندهم فراغ فيدخل على شبكة النت وعلى موقع الرافضة، أو موقع التنصير ويسمع الشبهات، وهو لا يملك الحجج، وسلاحنا هو أن نحصّن الشباب الذي سيقع فريسة لمخطط خبيث رصد له بلايين الدولارات لأجل هذا العمل الخبيث، فلنحذر ولنكن على يقظة.
وأطمئنكم أن الإسلام كلما ازدادت عليه المؤامرات علا وارتفع بإذن الله، والذي نفسي بيده لو أن هناك ديناً يتحمل هذه الضربات فليس إلا الإسلام، فكلما ازداد طعناً فيه ازداد رفعة وعلواً؛ لأنه دين الله سبحانه، يحفظه بنا أو بغيرنا، قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].
قال رحمه الله: [لما روي عن أم الفضل بنت الحارث: (أن أناساً تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه النبي صلى الله عليه وسلم)].
والصحابة اختلفوا هل هو صائم هذا اليوم أم لا؟ فقطعاً للخلاف أرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فرفع القدح وشرب صلى الله عليه وسلم، متفق عليه.
قال رحمه الله: [وقال ابن عمر: (حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه -يعني: يوم عرفة- ومع أبي بكر رضي الله عنه فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه) أخرجه الترمذي].
عبارة (ولا أنهى عنه) يخرج الحكم من الحرمة إلى الكراهة، فالحكم هو كراهية الصيام في يوم عرفة للحاج، لأنه قال: لا أصمه ولا أنهى عن صيامه، وهذا قول ابن عمر وله حكم الرفع.
قال رحمه الله: [وروى أبو داود (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة)، ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم العظيم الذي يستجاب فيه الدعاء]، وهذا ضعيف.
وسيعدد المؤلف صيام التطوع، وفي حديث البخاري الذي أريد أن يكون وصية لنا جميعاً في كتاب التهجد.