إذا رأينا هلال رمضان وجب علينا الصوم، لكن هل يجب على كل بلد أهل أن يروا الهلال، أم أن رؤية البلد تعتبر رؤية للبلد الآخر؟ وهل اختلاف المطالع معتبر أم غير معتبر؟ شيخ الإسلام ابن تيمية له كلام جميل في هذه المسألة، فالهلال سمي هلالاً لأنه ظهر في السماء، ومن الممكن أن يبقى في السماء ولا يراه أهل الأرض، فنقول: استهل الغلام صارخاً، فيعلم من في المكان أن الغلام ولد باستهلاله؛ ولذلك فإن الهلال في السماء ولا يستهل عند أهل الأرض.
يقول شيخ الإسلام: فالعبرة في رؤيا الهلال هو أن يراه واحد منهم، ثم يقره ولي الأمر على رؤيته، فيستهل به بين الناس، وإن لم يأخذ ولي الأمر برؤيته لا يستهل به، ففرق بين ظهور الهلال في السماء، ويلزم الذي رآه الصيام، يعني: هب أنني رأيت الهلال وذهبت إلى ولي الأمر لأقول له: أنا رأيت الهلال، لكنه لم يأخذ برؤيتي، فإنه يلزمني أنا الصيام، أما الجميع فلا يلزمهم؛ لأن ابن عمر لما رأى الهلال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فصام وأمر بصيامه.
وخلاصة أقوال العلماء المعتبرة: أنه لا يجوز لأحد أن يخالف قطره في الصيام، فلا يجوز لك أن تنفرد بصيام، بل صم مع بلدك وأفطر مع بلدك، وإن شئت أن تصوم لاتحاد المطالع مع بلد آخر فصم سراً، كما يفعل البعض سراً.
لكن من الجهة الشرعية إذا رأت بلدي أن يكون لها رؤية مستقلة فلا يجوز لي أن أشق عصا الطاعة وأن أخالف الجماعة وأن أنشئ صياماً بمفردي، هذا هو قول أهل العلم المعتبر، فلا يجوز أن تخالف أهل بلدك، لكن إن شئت فصم سراً ولا يعلم أحد بصيامك، فإن كنت تريد أن تحدث فتنة وتخرج عن الجماعة وتريد للجميع أن ينزل على رأيك فإن هذا لا يجوز، لكن الراجح من أقوال العلماء: أنه إذا ثبت الهلال في بلد يجب على ولي الأمر أن يأخذ برؤيا الهلال في البلد المشتركة معه في جزء.
وفي الحديث: (صوموا لرؤيته وأفطروا).
علق النبي صلى الله عليه وسلم الصيام بالرؤية لا بميلاد الهلال، فقد ذكر في الأفلاك في جريدة الأهرام: أنه سيولد الهلال بعد غد، فنقول لهم: لا عبرة برؤيتكم، ولا عبرة بقولكم، ولا عبرة بحساباتكم؛ لأننا أمرنا بالصيام للرؤية ولم نؤمر بالصيام للميلاد، فقد يولد ولا نراه، إذاً: لا نصوم؛ لأنه حال بيننا وبين رؤيته حائل.
والشيخ أحمد شاكر له رأي في هذه المسألة تفرد به.
قال: والأجهزة العلمية الحديثة تبين الميلاد، كذلك نستطيع أن نرى الهلال بالأجهزة، يعني: هل الرؤية بالعين المجردة أصل، أم يمكن أن نرى الهلال بأي وسائل عصرية؟ فهو يرى هذا الرأي في أحد كتبه: أن الحسابات الفلكية يمكن أن يعتمد عليها في تحديد بدء الصوم.
قال المؤلف رحمه الله: [يجب الصيام بكمال شعبان، أو برؤية هلال رمضان، أو وجود غيم أو قتر في مطلعه ليلة الثلاثين من شعبان يحول دونه؛ لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له) متفق عليه، يعني: ضيقوا له].
هذا قول مرجوح؛ لأنه يقصد أنه إذا غم علينا الهلال ولم نره فالواجب علينا أن نضيق عدة شعبان إلى تسعة وعشرين يوماً، مثل ذلك قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:87]، لكنه عاد وقال: [وإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين يوماً].
إن يوم الشك في بعض كتب الفقه: هو اليوم الذي فيه غمام ولا نستطيع أن نرى الهلال، فإذا استطلعنا الهلال في جو صحو ولم نر الهلال ولم يحل بيننا وبينه حائل، فإن شعبان ثلاثون يوماً يقيناً، فلا نسميه شكاً؛ لأن الهلال لم يولد يقيناً، كذلك إذا استطلعنا ووجدنا غداً رمضان فإن غداً رمضان يقيناً، فالشك معناه: احتمال أن يكون رمضان، واحتمال أن يكون المتمم لشعبان، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك.
قال: [وإن رأى الهلال وحده صام؛ لقوله عليه السلام: (صوموا لرؤيته)، فإن كان عدلاً صام الناس بقوله؛ لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام)].
إذاً: في دخول رمضان يمكن أن يراه واحداً، أما في دخول شوال فلا بد من اثنين.
مثال: رجل رأى الهلال ثم ذهب إلى ولي الأمر فأخبره، فنظر ولي الأمر في حاله فوجد أنه عدل، فعلى ذلك يلزمه أن يأخذ برؤيته، فإن لم يأخذ ولي الأمر برؤيته فهو آثم؛ لأن ابن عمر قال: (فأخبرت النبي بأنني رأيت الهلال فصام وأمر بصيامه).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله حتى واحد وثلاثين، قال: صمت ثلاثين يوماً -في مصدر سؤال في لجنة الفتوى في دار الإفتاء السعودي- ثم ذهبت إلى الكويت الشقيقة بعد أن أتممت الصيام هنا فوجدتهم على الصيام في اليوم فماذا أصنع في الكويت أفطر وأخالف أهل الكويت أم أصوم معهم ولا شيء علي؟ قال: صم؛ حتى لا تخالف أ