أولاً: العجز عن استعمال الماء إما لعدمه، أو لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد؛ أو لخوف العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته؛ أو خوف على نفسه بطلبه؛ أو تعذر إلا بثمن كثير.
فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه أو وجد ماء لا يكفيه لطهارته استعمله وتيمم للباقي.
والعاجز عن استعمال الماء معناه: أنه فقد الماء، والله يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6]، وسبب التيمم جاء في قصة عائشة رضي الله عنها لما كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونامت، وكانت قد أخذت عقداً من أختها استعارة -عارية مستردة- وسقط العقد منها، فلما قامت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن العقد قد سقط منها، فانشغل الصحابة بالبحث عنه حتى انعدم الماء، فلما انعدم الماء عاتب الصحابة عائشة، وعنفها أبو بكر تعنيفاً شديداً، فنزلت آية التيمم على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السفرة.
يقول أسيد بن حضير ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر! يعني: ليست هذه أول بركة لكم، بسبب ضياع عقد عائشة نزلت آية التيمم.
ففي حالة إذا انعدم الماء فينبغي للمسلم أن يتيمم، فإن لم تجد ماء في العزيز ومكان آخر موجود فيه فإن الماء معدوم والعدم معناه: أنك تبحث في البقعة المحيطة بدون مشقة ولا تجد الماء مع عدم السفر إلى مكان جديد.
قال: أو لخوف ضرر من استعماله.
والمقصود: حد البحث في العرف إنما، مثال ذلك: في الزيتون فقد الماء، والماء موجود في الهرم، فهل يذهب إلى الهرم ويتوضأ ويعود؟! هذا ليس ممكناً، فقد الماء يكون في البقعة التي لا تكلفه مشقة أو سفر.
يقول في الشرح: [وله شروط أربعة: العجز عن استعمال الماء إما لعدمه؛ لقوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، أو لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد أو جرح؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء:43]؛ ولحديث عمرو بن العاص].
فالخوف من الضرر من استعمال الماء أو البرد الشديد كعدم وجوده.
وفي الحديث: أن عمرو بن العاص احتلم، وعندما استيقظ وجد الجو بارداً؛ فتذكر رضي الله عنه قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، فتيمم ولم يغتسل مع وجود الماء، وصلى بأصحابه وهو متيمم وهم على وضوء، فلما علموا بعد الصلاة أنه فعل ذلك أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبره عمرو أنه تذكر قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29]، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على فعله.
فإن قيل: هل يجوز للمتيمم أن يؤم متوضئاً؟
صلى الله عليه وسلم نعم.
يجوز، فإن عمراً كان متيمماً، وأمّ الصحابة وهم على وضوء، وفي هذا حجة؛ لأن الحديث صحيح.
ثانياً: الخوف على نفسه من ضرر استخدام الماء، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم يأمره بالإعادة.
رواه أبو داود.
قال: [أو لخوف العطش على نفسه] وهذا كله في المسألة الأولى وهي انعدام الماء حكاه ابن المنذر إجماعاً، كرجل في صحراء ومعه ماء يكفي للوضوء ويكفي لشربه: هل يتوضأ به ولا يشرب؛ أم يتركه لشربه ويتيمم؟
صلى الله عليه وسلم يتركه لشربه ويتيمم؛ لأنه يخاف العطش على نفسه.
قال: [أو لخوفه على رفيقه أو بهيمته]، الله أكبر! انظر إلى رحمة الإسلام، فلو كان معك بهيمة وتخاف عليها من العطش فإنك تتيمم وتترك الماء لها، والشواذ يقولون: الإسلام دين الإرهاب، وهل دين الإرهاب يجعل للبهيمة حقاً في الماء؟! تتيمم وتترك الماء لهذه البهيمة؛ لأنها من خلق الله سبحانه.
قال: [أو لخوف العطش على نفسه أو رفيقه -صديقه- أو بهيمته، أو خوف على نفسه أو ماله بطلبه].
بمعنى: أنه يوجد ماء في آخر هذا الشارع، ولكنك إن وصلت إليه فهناك عدو يتربص بك، أو ماء في بئر أمامك ولكنك لا تملك أن تنزل إليه، وإن نزلت لن تخرج، إذاً: هناك خوف من استخدام الماء إما لوجود عدو أو لتعذر استخدامه؛ فجاز له التيمم؛ لقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار).
قال: [أو تعذر إلا بثمن كثير يزيد على ثمن المثل، أو لمن يعجز عن أدائه كذلك].
الماء موجود لكنه يباع وأنت لا تملك الثمن، أو تملك الثمن لكن يباع بأكثر من ثمن المثل، فهذا فيه مشقة؛ لأنه يبيع الماء بأكثر من ثمن المثل، فإن باعه بثمن المثل وأنت قادر عليه يجوز لك أن تستخدمه.