وقبل أن نشرع في بيان هذه الشروط نضع سؤالاً فنقول: هل يشترط للزروع حول؟
و صلى الله عليه وسلم لا، وإنما يؤدى حقها يوم حصادها، قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141]، بخلاف الأنعام السائمة، وعروض التجارة، والنقدين، فلابد فيها من الحول.
قال الشارح: ولا تجب إلا بخمسة شروط: أحدها: أن يكون حباً أو ثمراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا زكاة في ثمر ولا حب حتى يبلغ خمسة أوسق).
الثاني: أن يكون مكيلاً -يعني: يكال- لتقديره بالأوسق، وهي مكاييل فيدل ذلك على اعتبارها، وللشيخ ابن باز رحمه الله تحقيق في ذلك، وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية: ويوزن، أي: مما يكال أو يوزن.
الثالث: أن يكون مما يدخر؛ لأن جميع ما اتفق على زكاته مدخر -وعليه فالفاكهة لا تدخر، والأرز والحنطة والقمح والذرة تدخر- ولأن غير المدخر لم تكمل ماليته لعدم التمكن من الانتفاع به في المال، أي: أن غير المدخر يؤكل في الحال، أما المدخر فينتفع به في المستقبل.
الرابع: أن يبلغ نصاباً قدره بعد التصفية -أي: إزالة ما علق به من القشور- في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق، وعليه فالعنب بعد جفافه فيه زكاة؛ لأنه تحول إلى زبيب، والزبيب مما يكال، وكذلك البلح بعد أن يتحول إلى تمر، فتستطيع أن تدخره وأن يكال، ثم قال: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)، والوسق ستون صاعاً، حكاه ابن المنذر إجماعاً).
أي: يعادل ما يقرب من ثمانية أقداح، وبالكيلو يعادل ما يقرب من اثنين وخمسين كيلو، والصاع أربعة أمداد.
وعليه؛ فمن ملك هذا النصاب ففيه زكاة، فإن سقي بالسماء ففيه العشر، وإن سقي بالنضح ففيه نصف العشر، ويجب أن يتنبه إلى أن على المسلم أن يخرج الأحسن والأفضل من ماله؛ لقوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، أي: لا تستبدلوا الرديء بالحسن، قال الشاعر: إن في القرآن آية ذكرها للقلب طب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبوا لكن قضيتنا في الزكاة أننا استبدلناها بالمكوس.
و (الضرائب) التي تسوي بين الغني والفقير، فلو أن رجلاً يملك الملايين، والآخر يملك القليل من المال، فإنهما يخضعان للضريبة بنفس الأعباء، وهذا هو قانون الضريبة الموحدة، فهذا يأخذ أعباء ثلاثة آلاف، والثاني كذلك! أيضاً: إن تأخر عن السداد فيلزمه هذا القانون بفائدة محرمة، عن تأخير شهر واحد 1%، بحيث تصبح في السنة 12%، فيكون معسراً وغير قادر على السداد، والأمر الذي دعا إلى الضحك والعجب: أن رجلاً اقترض من بنك الائتمان الزراعي مبلغ خمسين ألف جنيه، وتوقف عن السداد لمدة عشر سنوات، فوصلت الفائدة عليه إلى تسعين ألفاً، غير أصل المال الذي اقترضه! فقلت: يا قوم! إن الرجل عاجز عن سداد الأصل، وفوق ذلك أرهقتموه وكبلتموه بالفائدة، والله يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، وبالتالي فأي قرض يزيد بمضي المدة يعتبر ربا، وأي عقد يقبل فيه صاحبه بالزيادة فهو ربا، كأن يشتري شقة من البنك، بشرط إن تأخر عن السداد في أول كل شهر يخضع للفائدة.
ثم قال: (الشرط الخامس: أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24]، فلا تجب فيما يكتسبه اللُّقاط، ولا ما يأخذه بحصاده، ولا ما يجتنيه من المباح كالبُطم والزعبل ونحوه).
أي: لا بد أن يمتلك الزرع عند وجوب الزكاة، فلا تجب فيما يكتسبه اللقاط، لأنه امتلكها عند عدم وجوب الزكاة عليه، وكذلك النبات الذي يخرج دون سبب مباشر منه، والذي يسميه بعض الجهال بـ (النبات الشيطاني)، ولا ما يأخذه بحصاده، بمعنى: أنك إذا أعطيت رجلاً حباً أو ثمراً مقابل عمله، فلا تجب عليه الزكاة، وإنما تجب الزكاة على من يملك الثمرة على شجرتها.
ثم قال: (ويجب العشر فيما سقي من السماء والسيوح، ونصف العشر فيما سقي بكلفة) -أي: بمشقة- للخبر في أول الباب).