قال في القسم الأول رحمه الله تعالى: [فتجب الزكاة منه في كل حب وثمر يكال ويدخر] قد ذكرنا فيما مضى: أن الأحكام التكليفية خمسة: واجب، ومندوب، ومباح، ومحرم، ومكروه، والواجب هو الفرض عند جمهور العلماء، خلافاً للأحناف الذين فرقوا بين الفرض والواجب.
لذا قال المصنف: (تجب الزكاة منه في كل حب وثمر يكال ويدخر)، وقد اشترط جمهور العلماء خمسة شروط -سأذكرها بعد قليل- لوجوب الزكاة في الزروع؛ لقوله سبحانه: {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة:267]، فقوله: ((ومما أخرجنا لكم من الأرض))، تبين أن الخارج من الأرض عليه زكاة، سواءً كان نباتاً أو كان معدناً، بينما الأحناف تمسكوا بظاهر الآية فقالوا: قوله: (ومما أخرجنا لكم من الأرض)، أي: كل ما خرج من الأرض فعليه زكاة، سواءً كان مما يدخر أو لا، وسواء كان مما يكال أو لا، وعليه فالقطن عليه زكاة عند الأحناف، وعند الجمهور ليس عليه زكاة؛ لأنه لا يكال ولا يدخر ولا يقتات، كذلك بالنسبة للفواكه، كالكمثرى والجوافة والمانجو وغيرها ليس عليها زكاة عند جمهور العلماء، وعند الأحناف تجب فيها الزكاة.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) أي: أن النبات الذي يسقى بماء السماء أو بالعيون ففيه العشر، لأنه لا يسبب لصاحب الزرع مشقة ولا جهد ولا عناء ولا نصب ولا تعب في السقيا، وكذلك النبات العثري، وهو: النبات الذي يمتص الماء من الأرض، فعنده قوة امتصاص.
وأما النبات الذي يسقى بالنضح، أي: بجهد ومشقة، ففيه نصف العشر.